للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخبر تعالى أنه الخالق لما في السموات والأرض وما بين ذلك من الأشياء وبأنه مَالِكُ الْمُلْكِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِ يُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ أي سخرهما يجريان متعاقبين لا يفتران كل منها يطلب الآخر طلبا حثيثا كقوله تبارك وتعالى:

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً [الْأَعْرَافِ: ٥٤] هَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ومجاهد وقتادة والسدي وغيرهم «١» .

وقوله عز وجل: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أي إلى مدة معلومة عند الله تعالى ثم ينقضي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ أَيْ مع عزته وعظمته وكبريائه وهو غَفَّارٌ لِمَنْ عَصَاهُ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ إِلَيْهِ.

وقوله جلت عظمته: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أَيْ خَلَقَكُمْ مَعَ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِكُمْ وَأَصْنَافِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحدة وهو آدم عليه الصلاة والسلام ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وهي حواء عليها السلام كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً [النِّسَاءِ: ١] وَقَوْلُهُ تَعَالَى:

وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ أَيْ خلق لَكُمْ مِنْ ظُهُورِ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ... وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ [الْأَنْعَامِ: ١٤٣] وقوله عز وجل: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ أَيْ قَدَّرَكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ أَيْ يَكُونُ أَحَدُكُمْ أَوَّلًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً ثُمَّ يُخْلَقُ فَيَكُونُ لَحْمًا وَعَظْمًا وَعَصَبًا وَعُرُوقًا وَيُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَيَصِيرُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٤] .

وقوله جل وعلا: فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ يعني في ظُلْمَةَ الرَّحِمِ وَظُلْمَةَ الْمَشِيمَةِ الَّتِي هِيَ كَالْغِشَاوَةِ وَالْوِقَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَظُلْمَةَ الْبَطْنِ. كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو مَالِكٍ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وابن زيد. وقوله جل جلاله: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ أَيْ هَذَا الَّذِي خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَخَلَقَكُمْ وَخَلَقَ آبَاءَكُمْ هُوَ الرَّبُّ لَهُ الْمُلْكُ وَالتَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ أَيِ الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له فَأَنَّى تُصْرَفُونَ أَيْ فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ؟ أين يذهب بعقولكم؟

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٧ الى ٨]

إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨)


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٦١٢- ٦١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>