للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ كَمَنْ يَأْتِي آمنا يوم القيامة كما قال عز وجل: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الْمُلْكِ: ٢٢] وَقَالَ جل وعلا:

يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر: ٤٨] وقال تبارك وتعالى:

أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ [فُصِّلَتْ: ٤٠] وَاكْتَفَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ. كَقَوْلِ الشاعر: [الوافر]

فما أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا ... أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي «١»

يَعْنِي الْخَيْرَ أَوِ الشَّرَّ. وَقَوْلُهُ جلت عظمته: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ يَعْنِي الْقُرُونَ الْمَاضِيَةَ الْمُكَذِّبَةَ لِلرُّسُلِ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ من الله من واق، وقوله جل وعلا: فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أَيْ بِمَا أَنْزَلَ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَتَشَفِّي الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ، فَلْيَحْذَرِ الْمُخَاطَبُونَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ قد كذبوا أشرف الرسل وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم والذي أعده الله جل جلاله لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ أَعْظَمُ مما أصابهم في الدنيا ولهذا قال عز وجل: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٢٧ الى ٣١]

وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)

يَقُولُ تَعَالَى: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ أَيْ بَيَّنَّا لِلنَّاسِ فِيهِ بِضَرْبِ الْأَمْثَالِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فَإِنَّ الْمَثَلَ يُقَرِّبُ المعنى إلى الأذهان كما قال تبارك وتعالى:

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الرُّومِ: ٢٨] أَيْ تعلمونه من أنفسكم، وقال عز وجل: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ [العنكبوت: ٤٣] .

وقوله جل وعلا: قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ أَيْ هُوَ قُرْآنٌ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا انْحِرَافَ وَلَا لَبْسَ بَلْ هُوَ بَيَانٌ وَوُضُوحٌ وبرهان، وإنما جعله الله تعالى كَذَلِكَ، وَأَنْزَلَهُ بِذَلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَيْ يَحْذَرُونَ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ. ثُمَّ قَالَ:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ أَيْ يَتَنَازَعُونَ فِي ذلك العبد المشترك بينهم وَرَجُلًا سَلَماً أي سالما لِرَجُلٍ أَيْ خَالِصًا لِرَجُلٍ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ غيره هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا


(١) البيت للمثقب العبدي في ديوانه ص ٢١٢، وخزانة الأدب ١١/ ٨٠، وشرح اختيارات المفضل ص ١٢٦٧، وشرح شواهد المغني ١/ ١٩١، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٤٥، وخزانة الأدب ٦/ ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>