للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ: يَعْنِي عِنْدَ الْمَوْتِ قَائِلِينَ أَلَّا تَخافُوا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَيْ مِمَّا تُقْدِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الآخرة وَلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا خَلَّفْتُمُوهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا مِنْ وَلَدٍ وَأَهْلٍ وَمَالٍ أَوْ دَيْنٍ فَإِنَّا نَخْلُفُكُمْ فِيهِ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فَيُبَشِّرُونَهُمْ بذهاب الشر وحصول الخير:

وهذا كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال: «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ لِرُوحِ الْمُؤْمِنِ اخْرُجِي أَيَّتُهَا الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ اخْرُجِي إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ» «١» وَقِيلَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ حدثنا جعفر بن سليمان قال سَمِعْتُ ثَابِتًا قَرَأَ سُورَةَ «حم السَّجْدَةِ» حَتَّى بَلَغَ إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ فَوَقَفَ فَقَالَ بَلَغَنَا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله تعالى مِنْ قَبْرِهِ يَتَلَقَّاهُ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ كَانَا مَعَهُ فِي الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ لَهُ لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ قَالَ فيؤمن الله تعالى خَوْفَهُ وَيُقِرُّ عَيْنَهُ فَمَا عَظِيمَةٌ يَخْشَى النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ لِلْمُؤْمِنِ قُرَّةُ عَيْنٍ لما هداه الله تبارك وتعالى وَلِمَا كَانَ يَعْمَلُ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: يُبَشِّرُونَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَفِي قَبْرِهِ وَحِينَ يُبْعَثُ.

رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَهَذَا الْقَوْلُ يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا وَهُوَ حَسَنٌ جدا وهو الواقع.

وقوله تبارك وتعالى: نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ

أَيْ تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ نَحْنُ كنا أولياءكم في الحياة الدنيا أَيْ قُرَنَاءَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا نُسَدِّدُكُمْ وَنُوَفِّقُكُمْ وَنَحْفَظُكُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ نَكُونُ مَعَكُمْ فِي الْآخِرَةِ نُؤْنِسُ مِنْكُمُ الْوَحْشَةَ فِي الْقُبُورِ وَعِنْدَ النَّفْخَةِ فِي الصُّورِ وَنُؤَمِّنُكُمْ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَنُجَاوِزُ بِكُمُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَنُوصِلُكُمْ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ

أَيْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ جَمِيعِ مَا تَخْتَارُونَ مِمَّا تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ وَتَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ

أَيْ مَهْمَا طَلَبْتُمْ وَجَدْتُمْ وَحَضَرَ بين أيديكم كَمَا اخْتَرْتُمْ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ أَيْ ضِيَافَةً وَعَطَاءً وَإِنْعَامًا مِنْ غَفُورٍ لِذُنُوبِكُمْ رَحِيمٍ بكم رؤوف حَيْثُ غَفَرَ وَسَتَرَ وَرَحِمَ وَلَطَفَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثَ سُوقِ الْجَنَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ

فَقَالَ:

حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ أَبِي سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه


(١) أخرجه ابن ماجة في الزهد باب ٣١، وأحمد في المسند ٢/ ٣٦٤، ٦/ ١٤٠، بلفظ: أشري بروح وريحان ورب غير غضبان» .
(٢) تفسير الطبري ١١/ ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>