للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ صِبْغَةَ اللَّهِ، قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: دِينُ اللَّهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَعِكْرِمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَالسُّدِّيِّ نَحْوَ ذَلِكَ. وَانْتِصَابُ صِبْغَةَ الله إما على الإغراء كقوله فِطْرَتَ اللَّهِ أي الزموا ذلك عليكموه، وقال بعضهم: بدلا من قوله مِلَّةَ إِبْراهِيمَ [الروم: ٣٠] وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ انْتَصَبَ عَنْ قوله آمَنَّا بِاللَّهِ كقوله وَعَدَ اللَّهُ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عباس أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «إن بني إسرائيل قالوا: يا رسول الله، هَلْ يَصْبُغُ رَبُّكَ؟

فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ. فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا مُوسَى سَأَلُوكَ هَلْ يَصْبُغُ رَبُّكَ؟ فَقُلْ: نَعَمْ، أَنَا أَصْبُغُ الْأَلْوَانَ:

الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ، وَالْأَلْوَانُ كُلُّهَا مِنْ صَبْغِي» وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مَرْفُوعًا، وَهُوَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مَوْقُوفٌ وَهُوَ أشبه إن صح إسناده والله أعلم.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٩ الى ١٤١]

قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١)

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مُرْشِدًا نَبِيَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ إِلَى دَرْءِ مُجَادِلَةِ الْمُشْرِكِينَ: قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ أَيْ تناظروننا فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ وَالِانْقِيَادِ وَاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَتَرْكِ زَوَاجِرِهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ الْمُتَصَرِّفُ فِينَا وَفِيكُمُ الْمُسْتَحِقُّ لِإِخْلَاصِ الْإِلَهِيَّةِ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ أَيْ نَحْنُ بُرَآءُ مِنْكُمْ ومما تعبدون وَأَنْتُمْ بُرَآءُ مِنَّا، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ. أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [يُونُسَ: ٤١- ٤٢] وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [آل عمران: ٢٠] إلى آخر الآية، وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ [الأنعام: ٨٠] إلى آخر الآية، وقال تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٨] ، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ أَيْ نَحْنُ بُرَآءُ مِنْكُمْ كَمَا أَنْتُمْ بُرَآءُ مِنَّا، وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ أَيْ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّوَجُّهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَسْبَاطِ، كَانُوا عَلَى مِلَّتِهِمْ إِمَّا الْيَهُودِيَّةُ وَإِمَّا النَّصْرَانِيَّةُ، فَقَالَ: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ يَعْنِي بَلِ اللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا هُودًا وَلَا نَصَارَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران: ٦٧] والتي بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>