للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٦ الى ١٨]

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨)

يَقُولُ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ أَيْ يُجَادِلُونَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لِيَصُدُّوهُمْ عَمَّا سَلَكُوهُ مِنْ طَرِيقِ الْهُدَى حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَيْ بَاطِلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ أَيْ مِنْهُ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ أي يوم القيامة، قال ابن عباس رضي الله عنه وَمُجَاهِدٌ: جَادَلُوا الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ مَا اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لِيَصُدُّوهُمْ عَنِ الْهُدَى وَطَمِعُوا أَنْ تَعُودَ الْجَاهِلِيَّةُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالُوا لها: دِينُنَا خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ وَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ وَأَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ «١» ، وَقَدْ كذبوا في ذلك. ثم قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ يَعْنِي الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَالْمِيزانَ وَهُوَ الْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الْحَدِيدِ: ٢٥] وَقَوْلُهُ: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ [الرَّحْمَنِ: ٧- ٩] .

وقوله تبارك وتعالى: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ فِيهِ تَرْغِيبٌ فِيهَا وَتَرْهِيبٌ مِنْهَا وَتَزْهِيدٌ فِي الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ عز وجل: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها أَيْ: يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [سَبَأٍ: ٢٩] ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ تَكْذِيبًا وَاسْتِبْعَادًا وَكُفْرًا وَعِنَادًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها أَيْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ مِنْ وُقُوعِهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَيْ كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ، فَهُمْ مُسْتَعِدُّونَ لَهَا عَامِلُونَ مِنْ أَجْلِهَا.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ تَبْلُغُ دَرَجَةَ التَّوَاتُرِ فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَنَادَاهُ فَقَالَ:

يَا محمد، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نحوا من صوته: «هاؤم» ، فقال له: متى الساعة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ إِنَّهَا كَائِنَةٌ فَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» فَقَالَ: حب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم:

«أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» «٢» ، فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» «٣» هَذَا مُتَوَاتِرٌ لَا محالة،


(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ١٣٩.
(٢) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب ٦، والأدب باب ٩٥، ومسلم في البر حديث ١٦١، والدارمي في الرقاق باب ٧١.
(٣) روي الحديث بطرق وأسانيد متعددة، أخرجه البخاري في الأدب باب ٩٦، ومسلم في البر حديث ١٦٥، والترمذي في الزهد باب ٥٠، والدعوات باب ٩٨، والدارمي في الرقاق باب ٧١، وأحمد في المسند ١/ ٣٩٢، ٣/ ١٠٤، ١١٠، ١٥٩، ١٦٥، ١٦٧، ١٦٨، ١٧٢، ١٧٨، ١٩٨، ٢٠٠، ٢٠٢، ٢٠٧، ٢٠٨، ٢١٣، ٢٢٢، ٢٢٦، ٢٢٨، ٢٥٥، ٢٦٨، ٢٧٦، ٢٨٣، ٢٨٨، ٣٣٦، ٣٩٤، ٤/ ١٠٧، ١٦٠، ٢٣٩، ٢٤١، ٣٩٢، ٣٩٥، ٣٩٨، ٤٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>