للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَجْنَاسِهِمْ وَأَنْوَاعِهِمْ وَقَدْ فَرَّقَهُمْ فِي أَرْجَاءِ أَقْطَارِ السموات والأرض وَهُوَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ فَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِهِ الْعَدْلِ الحق.

وقوله عز وجل: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ أَيْ مَهْمَا أَصَابَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْمَصَائِبِ فإنما هي عن سيئات تقدمت لكم وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ أَيْ مِنَ السَّيِّئَاتِ فَلَا يُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا بَلْ يَعْفُو عَنْهَا وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فَاطِرٍ: ٤٥] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا» «١» . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ نَزَلَتْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزَّلْزَلَةِ: ٧- ٨] وأبو بكر رضي الله عنه يَأْكُلُ فَأَمْسَكَ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أرى مَا عَمِلْتُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ مِمَّا تَكْرَهُ، فَهُوَ مِنْ مَثَاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِّ وَتُدَّخَرُ مَثَاقِيلُ الْخَيْرِ حَتَّى تُعْطَاهُ يوم القيامة» وقال: قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: فَإِنِّي أَرَى مِصْدَاقَهَا فِي كتاب الله تَعَالَى:

وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي قلابة عن أنس رضي الله عنه قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا محمد بن عيسى بن الطَّبَّاعِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَزْهَرُ بْنُ رَاشِدٍ الْكَاهِلِيُّ عَنِ الْخَضْرِ بْنِ الْقَوَّاسِ الْبَجْلِيِّ عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ

وَسَأُفَسِّرُهَا لَكَ يَا عَلِيُّ: مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ عَفْوِهِ» وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدَةَ عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ قَالَ: قال علي رضي الله عنه فَذَكَرَ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا.

ثُمَّ رَوَى ابْنُ أَبِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقال: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعِيَهُ؟ قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قال ما عاقب الله تعالى بِهِ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يثني عليه بالعقوبة يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدنيا فالله أكرم


(١) أخرجه البخاري في المرضى باب ١، ومسلم في البر حديث ٥٢.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ١٥٠.
(٣) المسند ١/ ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>