للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَهَبَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: اعْلُ هُبَلْ اعْلُ هُبَلْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألا تجيبوه؟» فقالوا: يا رسول الله وما نقول قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُولُوا: «اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا تُجِيبُوهُ؟» قَالُوا: وَمَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُولُوا: «اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ» «١» .

ثُمَّ قَالَ سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ أَيْ فِي دُنْيَاهُمْ يَتَمَتَّعُونَ بِهَا وَيَأْكُلُونَ مِنْهَا كَأَكْلِ الْأَنْعَامِ خَضْمًا وَقَضْمًا، وَلَيْسَ لَهُمْ هِمَّةٌ إِلَّا فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يأكل في سبعة أمعاء» «٢» ثم قال تعالى: وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ أَيْ يَوْمَ جَزَائِهِمْ، وَقَوْلُهُ عز وجل: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ يَعْنِي مَكَّةَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ فِي تَكْذِيبِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَهْلَكَ الْأُمَمَ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ قَبْلَهُ بِسَبَبِهِمْ، وَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ قُوَّةً مِنْ هَؤُلَاءِ فَمَاذَا ظَنَّ هَؤُلَاءِ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ بِهِمْ فِي الدنيا والآخرة؟ فَإِنْ رَفَعَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهُمُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا لِبَرَكَةِ وُجُودِ الرَّسُولِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ فَإِنَّ الْعَذَابَ يُوَفَّرُ عَلَى الْكَافِرِينَ بِهِ فِي مَعَادِهِمْ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ [هود: ٢٠] .

وقوله تعالى: مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَيِ الَّذِينَ أَخْرَجُوكَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذَكَرَ أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْغَارِ أراه قال فالتفت إِلَى مَكَّةَ وَقَالَ: «أَنْتِ أَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَأَنْتِ أَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إِلَيَّ، ولولا أن المشركين أخرجوني لَمْ أَخْرُجْ مِنْكِ» فَأَعْدَى الْأَعْدَاءِ مَنْ عَدَا على الله تعالى فِي حَرَمِهِ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قتل بذحول «٣» الجاهلية، فأنزل اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ.

[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٤ الى ١٥]

أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥)


(١) أخرجه البخاري في الجهاد باب ١٦٤، والمغازي باب ١٧، وأحمد في المسند ٤/ ٢٩٣.
(٢) أخرجه البخاري في الأطعمة باب ١٢، ومسلم في الأشربة حديث ١٨٢- ١٨٦، والترمذي في الأطعمة باب ٢٠، وابن ماجة في الأطعمة باب ٣، والدارمي في الأطعمة باب ١٣، ٢٠، ومالك في صفة النبي حديث ٩، ١٠.
(٣) الذحول، جمع ذحل: الأحقاد والعداوات. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>