للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلَّهِ دَرُّ الْغَانِيَاتِ الْمُدَّهِ ... سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي «١»

فَقَدْ صَرَّحَ الشَّاعِرُ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ التَّأَلُّهُ، مِنْ أَلِهَ يَأْلَهُ إِلَاهَةً وَتَأَلُّهًا، كَمَا روي أن ابن عباس قرأ: (ويذرك وآلهتك) قَالَ: عِبَادَتَكَ، أَيْ أَنَّهُ كَانَ يُعْبَدُ وَلَا يَعْبُدُ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بعضهم على كونه مشتقا بقوله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ [الْأَنْعَامِ: ٣] كما قال تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزُّخْرُفِ: ٨٤] وَنَقْلَ سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ أَنَّ أَصْلَهُ إِلَاهٌ مِثْلُ فِعَالٍ فَأُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلًا مِنَ الْهَمْزَةِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: مِثْلُ النَّاسِ، أصله أناس، وقيل أصله الْكَلِمَةِ لَاهَ فَدَخَلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْظِيمِ، وَهَذَا اختيار سيبويه. قال الشاعر: [البسيط]

لَاهِ ابْنِ عَمِّكَ لَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ ... عَنِّي وَلَا أَنْتَ دَيَّانِي فَتَخْزُونِي «٢»

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ «٣» : بالخاء أَيْ فَتَسُوسُنِي. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ الْإِلَهُ «٤» حَذَفُوا الْهَمْزَةَ وَأَدْغَمُوا اللَّامَ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ [فصارتا لاما مشدّدة] «٥» كما قال تعالى: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي [الْكَهْفِ: ٣٨] أَيْ لَكِنَّ أَنَا وَقَدْ قَرَأَهَا كَذَلِكَ الْحَسَنُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ثُمَّ قِيلَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ وَلِهَ إِذَا تَحَيَّرَ، وَالْوَلَهُ ذَهَابُ الْعَقْلِ يُقَالُ: رَجُلٌ وَالِهٌ وامرأة والهة ووالة، وماء مولّه إذا أرسل في الصحراء، فالله تعالى تتحيّر الألباب وتذهب في حقائق صفاته والفكر في معرفته «٦» فعلى هذا يكون أصل إلاه وَلَّاهُ فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً كَمَا قَالُوا فِي وشاح إشاح ووسادة إسادة. وقال الرَّازِيُّ وَقِيلَ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ أَلِهْتُ إِلَى فُلَانٍ أَيْ سَكَنْتُ إِلَيْهِ فَالْعُقُولُ لَا تَسْكُنُ إلا إلى ذكره، والأرواح


(١) يقال: مدهه يمدهه مدها: مدحه، وهو مادة. والرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٦٦ ولسان العرب (سبح، جله، وهده، مده) وخزانة الأدب ٦/ ٣٩١ وشرح المفصل ٤/ ٨١ وتهذيب اللغة ٦/ ٤٣٠ وجمهرة اللغة ص ٤٣ ومقاييس اللغة ١/ ١٢٧ وديوان الأدب ٢/ ٤٦٤ وكتاب العين ٤/ ٣٢ وتاج العروس (أله، مده) والطبري ١/ ٨٢. [.....]
(٢) البيت لذي الإصبع العدواني في أدب الكاتب ص ٥١٣ والأزهية ص ٢٧٩ وإصلاح المنطق ص ٣٧٣ والأغاني ٣/ ١٠٨ وأمالي المرتضى ١/ ٢٥٢ وجمهرة اللغة ص ٥٩٦ وخزانة الأدب ٧/ ١٧٣ والدرر ٤/ ١٤٣ وسمط اللآلي ص ٢٨٩ وشرح التصريح ٢/ ١٥ ولسان العرب (فضل، دين، عنن، لوه، خزا) والمؤتلف والمختلف ص ١١٨ ومغني اللبيب ١/ ١٤٧ والمقاصد النحوية ٣/ ٢٨٦ ولكعب الغنوي في الأزهية ص ٩٧.
(٣) تفسير القرطبي ١/ ١٢. وابن كثير ينقل هنا عن القرطبي ابتداء من قوله «ونقل سيبويه عن الخليل» إلى قوله: «كَمَا قَالُوا فِي وِشَاحٍ: أَشَاحُ، وَوِسَادَةٍ: أَسَادَةٌ» .
(٤) عبارة القرطبي: «قال الكسائي والفراء: معنى (بسم الله) بسم الإله» .
(٥) الزيادة من القرطبي.
(٦) عبارة الأصل: «فالله تعالى يحيّر أولئك والفكر في حقائق صفاته» . وما أثبتناه هو عبارة القرطبي (١/ ١٠٢) . والعبارتان لا تخلوان من اضطراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>