للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا نَذِيرٌ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى أَيْ مِنْ جِنْسِهِمْ أُرْسِلَ كَمَا أُرْسِلُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الْأَحْقَافِ: ٩] أَزِفَتِ الْآزِفَةُ أَيِ اقْتَرَبَتِ الْقَرِيبَةُ وَهِيَ الْقِيَامَةُ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ أَيْ لَا يَدْفَعُهَا إِذًا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَا يطلع على علمها سواه، والنذير الْحَذَرُ لِمَا يُعَايِنُ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي يُخْشَى وُقُوعُهُ فِيمَنْ أَنْذَرَهُمْ كَمَا قَالَ: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ [سَبَأٍ: ٤٦] وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ» «١» أَيِ الَّذِي أَعْجَلَهُ شِدَّةُ مَا عَايَنَ مِنَ الشَّرِّ عَنْ أَنْ يَلْبَسَ عَلَيْهِ شَيْئًا، بَلْ بَادَرَ إِلَى إِنْذَارِ قَوْمِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَجَاءَهُمْ عُرْيَانًا مسرعا، وهو مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ أَيِ اقْتَرَبَتِ الْقَرِيبَةُ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ السورة التي بعدها: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ.

وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنِي أبو حاتم لَا أَعْلَمُ إِلَّا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذنوب كمثل قوم نزلوا ببطن وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حتى أنضجوا خبرتهم، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ» .

وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أبو نضرة: لَا أَعْلَمُ إِلَّا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:

«مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ» وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ ثُمَّ قَالَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَمَثَلِ فَرَسَيْ رِهَانٍ» ثُمَّ قَالَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ طَلِيعَةً، فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُسْبَقَ أَلَاحَ بِثَوْبِهِ أُتِيتُمْ أُتِيتُمْ» ثُمَّ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا ذَلِكَ» وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ مِنْ صِحَاحٍ وَحِسَانٍ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي اسْتِمَاعِهِمُ الْقُرْآنَ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ وَتَلَهِّيهِمْ تَعْجَبُونَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَتَضْحَكُونَ مِنْهُ اسْتِهْزَاءً وَسُخْرِيَةً وَلا تَبْكُونَ أَيْ كَمَا يَفْعَلُ الْمُوقِنُونَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الْإِسْرَاءِ:

١٠٩] .

وَقَوْلُهُ تعالى: وَأَنْتُمْ سامِدُونَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْغِنَاءُ هِيَ يَمَانِيَّةٌ اسْمِدْ لَنَا غَنِّ لَنَا، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سامِدُونَ مُعْرِضُونَ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ، وَقَالَ الْحَسَنُ غَافِلُونَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تستكبرون، وبه يقول السدي، ثم قال تعالى آمِرًا لِعِبَادِهِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْعِبَادَةِ الْمُتَابِعَةِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا أي


(١) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٢٦، والاعتصام باب ٢، ومسلم في الفضائل حديث ١٦.
(٢) المسند ١/ ٤٠٢، ٥/ ٣٣١، ٦/ ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>