للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحمه الله.

وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ أي ثمرهما قريب إليهم متى شاؤوا تَنَاوَلُوهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانُوا، كَمَا قَالَ تعالى: قُطُوفُها دانِيَةٌ [الْحَاقَّةِ: ٢٣] وَقَالَ وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا [الإنسان: ١٤] أي لا تمتنع مِمَّنْ تَنَاوَلَهَا بَلْ تَنْحَطُّ إِلَيْهِ مِنْ أَغْصَانِهَا فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟ وَلَمَّا ذَكَرَ الْفُرُشَ وَعَظَمَتَهَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِنَّ أَيْ فِي الْفُرُشِ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَيْ غَضِيضَاتٌ عَنْ غَيْرِ أزواجهن فلا يرين شيئا في الجنة أحسن مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ تَقُولُ لِبَعْلِهَا: وَاللَّهِ مَا أَرَى فِي الْجَنَّةِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْكَ. وَلَا فِي الْجَنَّةِ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَكَ لِي وَجَعَلَنِي لَكَ.

لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ أَيْ بَلْ هُنَّ أَبْكَارٌ عُرُبٌ أَتْرَابٌ لَمْ يَطَأْهُنَّ أَحَدٌ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَهَذِهِ أَيْضًا مِنَ الْأَدِلَّةِ على دخول مؤمني الجن الجنة، وقال أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ: سُئِلَ ضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ هَلْ يَدْخُلُ الْجِنُّ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَيَنْكِحُونَ، لِلْجِنِّ جِنِّيَّاتٌ وَلِلْإِنْسِ إِنْسِيَّاتٌ»

، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.

ثُمَّ قَالَ يَنْعَتُهُنَّ لِلْخُطَّابِ كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ قال مجاهد والحسن وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ: فِي صَفَاءِ الْيَاقُوتِ وَبَيَاضِ الْمَرْجَانِ، فَجَعَلُوا الْمَرْجَانَ هَاهُنَا اللُّؤْلُؤَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقيها مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً مِنَ الْحَرِيرِ حَتَّى يرى مخها» «٢» وذلك قول الله تعالى: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ فَأَمَّا الْيَاقُوتُ فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكًا ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لَرَأَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ وَأَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ» تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أحمد من هذا الوجه.

وقد روى مسلم حديث إسماعيل بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قال: إما تفاخروا


(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ٦٠٧.
(٢) أخرجه الترمذي في الجنة باب ٥.
(٣) المسند ٢/ ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>