للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لَا يَمُوتُ أحد من الناس حتى يعلم من أَهْلِ الْجَنَّةِ هُوَ أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَحَادِيثَ الِاحْتِضَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٧] وَلَوْ كُتِبَتْ هَاهُنَا لَكَانَ حَسَنًا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يقول الله تعالى لملك الموت انطلق إلى فلان فائتني بِهِ فَإِنَّهُ قَدْ جَرَّبْتُهُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ فَوَجَدْتُهُ حَيْثُ أُحِبُّ، ائْتِنِي بِهِ فَلَأُرِيحَنَّهُ- قَالَ- فَيَنْطَلِقُ إِلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ وَمَعَهُ خَمْسُمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُمْ أَكْفَانٌ وَحَنُوطٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَعَهُمْ ضَبَائِرُ الرَّيْحَانِ- أَصِلُ الرَّيْحَانَةِ وَاحِدٌ- وَفِي رَأْسِهَا عِشْرُونَ لَوْنًا لِكُلِّ لَوْنٍ مِنْهَا رِيحٌ سِوَى رِيحِ صَاحِبِهِ، وَمَعَهُمُ الْحَرِيرُ الْأَبْيَضُ فِيهِ الْمِسْكُ» وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فَرُوحٌ وَرَيْحَانٌ بِرَفْعِ الرَّاءِ «١» ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ هَارُونَ، وَهُوَ ابْنُ مُوسَى الْأَعْوَرُ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:

لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ وحده وخالفه الباقون فقرؤوا فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ بفتح الراء.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ سَمِعَ دُرَّةَ بِنْتَ مُعَاذٍ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

أَنَتَزَاوَرُ إِذَا مُتْنَا وَيَرَى بَعْضُنَا بَعْضًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يكون النَّسَمُ طَيْرًا يَعْلُقُ بِالشَّجَرِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دَخَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ فِي جَسَدِهَا» . هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بِشَارَةٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ، وَمَعْنَى يَعْلُقُ يَأْكُلُ، وَيَشْهَدُ لَهُ بِالصِّحَّةِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» عَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجِرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» . وَهَذَا إِسْنَادٌ عَظِيمٌ وَمَتْنٌ قَوِيمٌ.

وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: «إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في رياض الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ معلقة بالعرش» «٤» الحديث. وقال الإمام


(١) أخرجه أبو داود في الحروف باب ٢٣، والترمذي في القرآن باب ٤، وأحمد في المسند ٤/ ٢٦٠، ٦/ ٦٤.
(٢) المسند ٦/ ٤٢٤، ٤٢٥.
(٣) المسند ٣/ ٤٥٥.
(٤) أخرجه مسلم في الإمارة حديث ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>