للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك «١» لا تصل بِذِكْرِ الْمَرْحُومِ وَقَدْ قَالَ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الْأَحْزَابِ: ٤٣] وَحَكَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الزَّاهِرِ عَنِ الْمُبَرِّدِ أَنَّ الرَّحْمَنَ: اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: الرَّحِيمُ عَرَبِيٌّ وَالرَّحْمَنُ عِبْرَانِيٌّ، فَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْغُوبٌ عَنْهُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ «٢» مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

«قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ» قَالَ: وَهَذَا نَصٌّ فِي الِاشْتِقَاقِ فَلَا مَعْنَى لِلْمُخَالَفَةِ وَالشِّقَاقِ، قَالَ: وَإِنْكَارُ الْعَرَبِ لِاسْمِ الرَّحْمَنِ لِجَهْلِهِمْ بالله وبما وجب له، قال القرطبي: ثم قيل هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَنَدْمَانَ وَنَدِيمٍ قَالَهُ أَبُو عبيدة، وَقِيلَ: لَيْسَ بِنَاءُ فَعْلَانَ كَفَعِيلٍ، فَإِنَّ فَعْلَانَ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى مُبَالَغَةِ الْفِعْلِ نَحْوَ قولك: رجل غضبان للرجل الممتلئ غضبا، وَفَعِيلٌ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ «٣» ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: الرَّحْمَنُ اسْمٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ يَخْتَصُّ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين [كما] قال الله تعالى: وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا اسْمَانِ رَقِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَرَقُّ مِنَ الْآخَرِ أَيْ أَكْثَرُ رَحْمَةً، ثُمَّ حُكِيَ «٤» عَنِ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمُ اسْتَشْكَلُوا هَذِهِ الصفة وقالوا لعله أرفق «٥» كما فِي الْحَدِيثِ «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ويعطي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ» وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الرَّحْمَنُ إِذَا سُئِلَ أَعْطَى والرحيم إذا لم يسأل غضب. وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ الْفَارِسِيِّ الْخُوزِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عليه» وقال بعض الشعراء: [الكامل]

اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ ... وَبُنَيُّ آدَمَ حين يسأل يغضب «٦»

وقال ابْنُ جَرِيرٍ «٧» : حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ حدثنا عثمان بن زفر قال: سمعت


(١) أي: «لو كان مشتقا من الرحمة» كما هي عبارة القرطبي.
(٢) هو قول ابن الحصار يشير إلى ما خرّجه الترمذي، نقله القرطبي (١/ ١٠٤) .
(٣) وأورد القرطبي شاهدا على هذا قول عملّس بن عقيل:
فأما إذا عضّت بك الحرب عضّة ... فإنك معطوف عليك رحيم
وأضاف: فالرحمن خاصّ الاسم عام الفعل، الرحيم عام الاسم خاصّ الفعل هذا قول الجمهور.
(٤) أي القرطبي (١/ ١٠٦) .
(٥) أي: لعل قول ابن عباس هو: «هما اسمان رفيقان (بالفاء الموحدة) أحدهما أرفق من الآخر» على نحو ما جاء في القرطبي نقلا عن الحسين بن الفضل البجلي. قال: لأن الرقّة ليست من صفات الله تعالى في شيء، والرفق من صفاته عز وجل. وبهذا المعنى نقل عن الخطابي.
(٦) البيت بلا نسبة أيضا في القرطبي ١/ ١٠٦.
(٧) تفسير الطبري ١/ ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>