للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: نَزَلَتْ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:

نَزَلَتْ فِي أَعْضَاءِ السُّجُودِ، أَيْ هِيَ لِلَّهِ فَلَا تَسْجُدُوا بِهَا لِغَيْرِهِ. وَذَكَرُوا عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ على سبعة أعظم: على الجبهة- أشار بيده إِلَى أَنْفِهِ- وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» «١» ، وَقَوْلُهُ تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَمَّا سَمِعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو الْقُرْآنَ كَادُوا يَرْكَبُونَهُ مِنَ الْحِرْصِ لَمَّا سَمِعُوهُ يَتْلُو الْقُرْآنَ وَدَنَوْا مِنْهُ، فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ حَتَّى أَتَاهُ الرَّسُولُ فَجَعَلَ يُقْرِئُهُ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ هَذَا قَوْلٌ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ الْجِنُّ لِقَوْمِهِمْ: لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً قَالَ: لَمَّا رَأَوْهُ يُصَلِّي وَأَصْحَابُهُ يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، قال: عَجِبُوا مِنْ طَوَاعِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ قَالَ: فَقَالُوا لِقَوْمِهِمْ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً وَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى رَبِّهِمْ كَادَتِ الْعَرَبُ تَلْبُدُ عَلَيْهِ جَمِيعًا.

وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً قَالَ: تَلَبَّدَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ لِيُطْفِئُوهُ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه، وهذا قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ، وهو اختيار ابْنِ جَرِيرٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً أَيْ قَالَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَمَّا آذَوْهُ وَخَالَفُوهُ وَكَذَّبُوهُ وَتَظَاهَرُوا عَلَيْهِ لِيُبْطِلُوا مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ واجتمعوا على عداوته إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي أَيْ إِنَّمَا أَعْبُدُ رَبِّي وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَسْتَجِيرُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً.

وقوله تعالى: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً أَيْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ وَعَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَيْسَ إِلَيَّ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ فِي هِدَايَتِكُمْ وَلَا غَوَايَتِكُمْ، بَلِ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُجِيرُهُ مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ أَيْ لَوْ عَصَيْتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إِنْقَاذِي مِنْ عَذَابِهِ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ:

لَا مَلْجَأَ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أي


(١) أخرجه البخاري في المواقيت باب ١١، ومسلم في الصلاة حديث ٢٢٧، ٢٢٩.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٢٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>