للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا» وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ وَضِيءُ الْوَجْهِ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ، يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا هَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ سُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْتُ لِرَبِيعَةَ كُنْتُ يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ إِنِّي يَوْمَئِذٍ لَأَعْقِلُ أَنِّي أَزَفْرُ الْقِرْبَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ «١» .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ «٢»

: حَدَّثَنِي حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ عَبَّادٍ الدِّيلِيَّ يَقُولُ: إِنِّي لَمَعَ أَبِي رَجُلٌ شَابٌّ أَنْظُرُ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذُو جُمَّةٍ، يَقِفُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَبِيلَةِ فَيَقُولُ: «يَا بَنِي فُلَانٍ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ آمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تُصَدِّقُونِي وَتَمْنَعُونِي حَتَّى أُنَفِّذَ عَنِ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ» وَإِذَا فَرَغَ مِنْ مَقَالَتِهِ قَالَ الْآخَرُ مِنْ خَلْفِهِ: يَا بَنِي فُلَانٍ هَذَا يُرِيدُ مِنْكُمْ أَنْ تَسْلُخُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَحُلَفَاءَكُمْ مِنَ الْجِنِّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أُقَيْشٍ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، فَلَا تَسْمَعُوا لَهُ وَلَا تَتَّبِعُوهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ «٣»

أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ أي خسر وخاب وَضَلَّ عَمَلُهُ وَسَعْيُهُ وَتَبَّ أَيْ وَقَدْ تَبَّ تحقق خسارته وهلاكه.

وقوله تعالى: مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ وَما كَسَبَ يَعْنِي وَلَدَهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَالْحُسْنِ وَابْنِ سِيرِينَ مِثْلَهُ، وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم لما دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِيمَانِ، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: إن كَانَ مَا يَقُولُ ابْنُ أَخِي حَقًّا فَإِنِّي أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي فأنزل الله تعالى مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ.

وَقَوْلُهُ تعالى: سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ أي ذات لهب وشرر وَإِحْرَاقٍ شَدِيدٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ سَادَاتِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَهِيَ أُمُّ جَمِيلٍ، وَاسْمُهَا أَرْوَى بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ عَوْنًا لِزَوْجِهَا عَلَى كُفْرِهِ وَجُحُودِهِ وَعِنَادِهِ. فَلِهَذَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَوْنًا عَلَيْهِ فِي عَذَابِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، ولهذا قال تعالى: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ يَعْنِي تَحْمِلُ الْحَطَبَ فَتُلْقِي عَلَى زَوْجِهَا لِيَزْدَادَ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ، وَهِيَ مُهَيَّأَةٌ لِذَلِكَ مُسْتَعِدَّةٌ لَهُ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعُرْوَةُ: مِنْ مَسَدِّ النَّارِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحُسْنِ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالسُّدِّيِّ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.


(١) المسند ٤/ ٣٤١، ٣٤٢.
(٢) سيرة ابن هشام ١/ ٤٢٣.
(٣) المسند ٣/ ٤٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>