للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْلَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنَّمَا قَدَّرَ اللَّهُ كَوْنَ زَكَرِيَّا كَافِلَهَا لِسَعَادَتِهَا، لِتَقْتَبِسَ مِنْهُ عِلْمًا جَمًّا نَافِعًا وَعَمَلًا صَالِحًا، وَلِأَنَّهُ كَانَ زَوْجَ خَالَتِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ:

زَوْجُ أُخْتِهَا، كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ «فَإِذَا بِيَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ» وَقَدْ يُطْلِقُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ ذَلِكَ أَيْضًا تَوَسُّعًا، فَعَلَى هَذَا كَانَتْ فِي حضانة خالتها وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي عِمَارَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ أَنْ تَكُونَ فِي حَضَانَةِ خَالَتِهَا امْرَأَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» «١» .

ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ سِيَادَتِهَا وَجَلَالَتِهَا فِي مَحَلِّ عِبَادَتِهَا، فَقَالَ كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَعَطِيَّةُ العوفي والسدي: يَعْنِي وَجَدَ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً أَيْ عِلْمًا، أَوْ قَالَ: صُحُفًا فِيهَا عِلْمٌ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ.

وَفِي السُّنَّةِ لِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، فَإِذَا رَأَى زَكَرِيَّا هَذَا عِنْدَهَا قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا أَيْ يَقُولُ مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا؟ قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زَنْجَلَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقَامَ أَيَّامًا لَمْ يَطْعَمْ طَعَامًا حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَطَافَ فِي مَنَازِلِ أَزْوَاجِهِ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَأَتَى فَاطِمَةَ فَقَالَ «يَا بُنَيَّةُ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ آكله، فإني جائع؟» قالت: لَا وَاللَّهِ- بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي-، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، بَعَثَتْ إِلَيْهَا جَارَةٌ لَهَا بِرَغِيفَيْنِ وَقِطْعَةِ لَحْمٍ، فَأَخَذَتْهُ مِنْهَا، فَوَضَعَتْهُ فِي جَفْنَةٍ لَهَا، وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَأُوثِرَنَّ بِهَذَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِي وَمَنْ عِنْدِي، وَكَانُوا جَمِيعًا مُحْتَاجِينَ إِلَى شِبْعَةِ طَعَامٍ، فَبَعَثَتْ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ له: بأبي أنت وَأُمِّي قَدْ أَتَى اللَّهُ بِشَيْءٍ فَخَبَّأْتُهُ لَكَ. قَالَ «هَلُمِّي يَا بُنِّيَّةُ» . قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِالْجَفْنَةِ، فكشف عنها، فَإِذَا هِيَ مَمْلُوءَةٌ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَلَمَّا نَظَرَتْ إليها بهت وَعَرَفَتْ أَنَّهَا بَرَكَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَحَمِدَتِ اللَّهَ وصليت على نبيه وقدمته إلى رسول الله، فَلَمَّا رَآهُ حَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ «مِنْ أَيْنَ لك هذا يا بنية» ؟

قالت: يَا أَبَتِ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَكِ يَا بُنَيَّةُ شَبِيهَةً بِسَيِّدَةِ نِسَاءِ بَنْيِ إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّهَا كانت إذا رزقها الله شيئا وسئلت عَنْهُ، قَالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عَلِيٍّ، ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ وَجَمِيعُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته حتى شبعوا جميعا، قالت: وبقيت الجفنة كما هي، قالت: فأوسعت ببقيتها على


(١) صحيح البخاري (صلح باب ٦ ومغازي باب ٤٣) وسنن أبي داود (طلاق باب ٣٥) وسنن الترمذي (برّ باب ٦) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>