للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كسر «١» البيت برمح، فضربه فِي جَنْبِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَاتَّبَعُوا أَثَرَهُ حَتَّى أَتَوْا أَصْحَابَهُ فِي الْغَارِ فَقَتَلَهُمْ أجمعين عامر بن الطفيل، قال: وَقَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ الله أَنْزَلَ فِيهِمْ قُرْآنًا: «بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ» ، ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناها زمانا، وأنزل الله تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.

وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ «٢» فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَقَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ فَقَالُوا: أَيُّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لهم حاجة، تركوا» وقد روي نحوه من حديث أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ «مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا إِلَّا الشَّهِيدُ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى لما يرى من فضل الشهادة» تفرد بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم «أعلمت أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ، فَقَالَ لَهُ: تَمَنَّ عَلَيَّ. فَقَالَ لَهُ: أُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلُ مرة أخرى. قال: إِنِّي قَضَيْتُ الْحُكْمَ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ أَبَا جَابِرٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ عن ابن المنكدر:

سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ لَمَّا قُتِلَ أَبِي: جَعَلْتُ أَبْكِي وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ينهوني وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تبكيه- أو ما تبكيه- ما زالت


(١) كسر البيت: جانبه.
(٢) صحيح مسلم (إمارة حديث ١٢١.
(٣) مسند أحمد ٣/ ١٢٦.
(٤) مسند أحمد ٣/ ٣٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>