وَلَا وَلَدِ ابْنٍ. [الرَّابِعُ] أَنَّهُمْ لَا يُزَادُونَ عَلَى الثُّلُثِ، وَإِنْ كَثُرَ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَضَى عمر أَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مثل الأنثى، قال الزُّهْرِيُّ: وَلَا أَرَى عُمَرَ قَضَى بِذَلِكَ حَتَّى عَلِمَ بِذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لهذه الآية هي التي قال الله تعالى فيها فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَهِيَ زَوْجٌ وَأَمٌّ أَوْ جَدَّةٌ وَاثْنَانِ مَنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَوَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مَنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ، فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ أَوِ الْجَدَّةِ السُّدُسُ وَلِوَلَدِ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَيُشَارِكُهُمْ فِيهِ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ إِخْوَةُ الْأُمِّ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي زَمَنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، فَأَعْطَى الزَّوْجَ النِّصْفَ، وَالْأُمَّ السُّدُسَ، وَجَعَلَ الثُّلُثَ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ، فَقَالَ لَهُ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا، أَلَسْنًا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ؟ فَشَرَّكَ بَيْنَهُمْ وَصَحَّ التشريك عنه وعن عُثْمَانَ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَمَسْرُوقٌ وَطَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالثَّوْرِيُّ وَشَرِيكٌ، وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَا يُشَرِّكُ بَيْنَهُمْ، بَلْ يَجْعَلُ الثُّلُثَ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ، وَلَا شَيْءَ لِأَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ. وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ أَبِي ليلى وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَزُفَرَ بْنِ الْهُذيلِ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ وَنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ اللَّبَّانِ الْفَرَضِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْإِيجَازُ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ أَيْ لِتَكُونَ وَصِيَّتُهُ عَلَى الْعَدْلِ لَا عَلَى الْإِضْرَارِ وَالْجَوْرِ وَالْحَيْفِ بِأَنْ يَحْرِمَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ أَوْ يَنْقُصَهُ، أَوْ يَزِيدَهُ عَلَى مَا قَدَّرَ اللَّهُ له من الفريضة، فمن سَعَى فِي ذَلِكَ، كَانَ كَمَنْ ضَادَّ اللَّهَ فِي حِكْمَتِهِ، وَقِسْمَتِهِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ الدِّمَشْقِيُّ الْفَرَادِيسِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِيِ هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ «الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ» وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْمُغِيرَةِ هَذَا، وَهُوَ أَبُو حَفْصٍ بَصْرِيٌ سَكَنَ المصيصة، قال أبو القاسم بن عَسَاكِرَ: وَيُعْرَفُ بِمُفْتِي الْمَسَاكِينِ، وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ شَيْخٌ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ هو مجهولا لا أعرفه، لكن رواه النسائي في
(١) تفسير الطبري ٣/ ٦٣١. وفيه «الضرار» في موضع «الإضرار» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute