للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْنَاهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وقال: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ فَنَرْجُو وَنَقْرَأُ فَنَكَادُ أَنْ نَيْأَسَ فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ» ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ «هَؤُلَاءِ أَهْلُ النَّارِ» قَالُوا: لَسْنَا مِنْهُمْ يا رسول الله، قال «أجل» . وقوله تعالى: لَا يُؤْمِنُونَ مَحَلُّهُ مِنَ الْإِعْرَابِ أَنَّهُ جُمْلَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ أَيْ هُمْ كُفَّارٌ فِي كِلَا الْحَالَيْنِ فَلِهَذَا أكد ذلك بقوله تعالى: لَا يُؤْمِنُونَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَا يُؤْمِنُونَ خَبَرًا لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا يؤمنون ويكون قوله تَعَالَى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ جُمْلَةٌ معترضة، والله أعلم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٧]]

خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)

قَالَ السُّدِّيُّ: خَتَمَ اللَّهُ أَيْ طَبَعَ اللَّهُ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ إِذْ أَطَاعُوهُ فَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ هُدًى وَلَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَفْقَهُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قلوبهم قال:

الطبع، ثبتت الذنوب على القلب فحفت بِهِ مِنْ كُلِّ نَوَاحِيهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ عَلَيْهِ فَالْتِقَاؤُهَا عَلَيْهِ الطَّبْعُ وَالطَّبْعُ الْخَتْمُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْخَتْمُ عَلَى الْقَلْبِ وَالسَّمْعِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: الرَّانُ أَيْسَرُ مِنَ الطَّبْعِ، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشد ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ: أَرَانَا مُجَاهِدٌ بِيَدِهِ فَقَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْقَلْبَ فِي مِثْلِ هَذِهِ- يَعْنِي الْكَفَّ- فَإِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ ذَنْبًا ضُمَّ مِنْهُ- وَقَالَ بِأُصْبُعِهِ الْخِنْصَرِ «١» هَكَذَا- فَإِذَا أَذْنَبَ ضُمَّ- وَقَالَ بِأُصْبُعٍ أُخْرَى- فَإِذَا أَذْنَبَ ضم- وقال بإصبع أخرى هكذا- حَتَّى ضَمَّ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا ثُمَّ قَالَ: يُطْبَعُ عَلَيْهِ بِطَابَعٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّيْنُ «٢» . وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ «٣» ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا معنى قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ تَكَبُّرِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ الِاسْتِمَاعِ لِمَا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ كَمَا يُقَالُ إِنَّ فُلَانًا أصم عَنْ هَذَا الْكَلَامِ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ سَمَاعِهِ وَرَفَعَ نَفْسَهُ عَنْ تَفَهُّمِهِ تَكَبُّرًا. قَالَ: وَهَذَا لا يصح لأن الله تعالى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَسْمَاعِهِمْ (قُلْتُ) وَقَدْ أَطْنَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَقْرِيرِ مَا رَدَّهُ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا وَتَأَوَّلَ الْآيَةَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ جَدًّا، وَمَا جَرَّأَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا اعْتِزَالُهُ، لِأَنَّ الْخَتْمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَمَنْعَهَا مِنْ وُصُولِ الْحَقِّ إليها قبيح عنده


(١) قال بلسانه: تكلم. وقال بيده وإصبعه: أشار. وكذا بعينه وقدمه إلخ.
(٢) الرّين والران: الغطاء والحجاب الكثيف. وهو أيضا الصدأ يعلو الشيء الجليّ. والدنس. وما غطّى على القلب وركبه من القسوة للذنب بعد الذنب.
(٣) تفسير الطبري ١/ ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>