للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا، وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يَعْنِي طَرَائِقَهُمُ الْحَمِيدَةَ وَاتِّبَاعَ شَرَائِعِهِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا، وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ أَيْ مِنَ الْإِثْمِ وَالْمَحَارِمِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَيْ فِي شَرْعِهِ وقدره وأفعاله وأقواله. وقوله: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً أَيْ يُرِيدُ أَتْبَاعُ الشَّيَاطِينِ مِنَ الْيَهُودِ والنصارى والزناة أن تميلوا عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ أَيْ فِي شَرَائِعِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَمَا يُقَدِّرُهُ لَكُمْ، وَلِهَذَا أَبَاحَ الإماء بشروط، كما قال مجاهد وغيره وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً فَنَاسَبَهُ التَّخْفِيفُ لِضِعْفِهِ فِي نَفْسِهِ وَضِعْفِ عَزْمِهِ وَهِمَّتِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عن أبيه وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً أَيْ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ. وَقَالَ وَكِيعٌ: يَذْهَبُ عَقْلُهُ عِنْدَهُنَّ.

وَقَالَ مُوسَى الْكَلِيمُ عليه السلام لنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ مَرَّ عَلَيْهِ رَاجِعًا مِنْ عِنْدِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: أَمَرَنِي بِخَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ عَلَى مَا هُوَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَجَزُوا، وَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ أَسْمَاعًا وَأَبْصَارًا وَقُلُوبًا، فَرَجَعَ، فَوَضَعَ عَشْرًا. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حتى بقيت خمسا، الحديث «١» .

[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٩ الى ٣١]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١)

ينهى تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ أَنْ يَأْكُلُوا أَمْوَالَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالْبَاطِلِ، أَيْ بِأَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ كَأَنْوَاعِ الرِّبَا وَالْقِمَارِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ صُنُوفِ الْحِيَلِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي غَالِبِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّ مُتَعَاطِيَهَا إِنَّمَا يُرِيدُ الْحِيلَةَ عَلَى الرِّبَا، حَتَّى قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنَ الرَّجُلِ الثَّوْبَ فَيَقُولُ: إِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ، وَإِلَّا رَدَدْتُهُ وَرَدَدْتُ مَعَهُ دِرْهَمًا، قَالَ: هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فيه وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حرب الموصلي، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ دَاوُدَ الْأَوَدِيِّ، عَنْ عامر، عن علقمة، عن عبد الله في الآية، قال: إنها مَحْكَمَةٌ مَا نُسِخَتْ وَلَا تُنْسَخُ إِلَى يَوْمِ


(١) مسند أحمد ٣/ ١٤٩ و ٤/ ٢٠٨.
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>