للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ وَعَلِيُّ بْنُ زِنْجَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عن عمرو بن دينار، وعن عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا:

يَا نَبِيَّ الله، كنا في عزة وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً، قَالَ: «إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا الْقَوْمَ» ، فَلَمَّا حَوَّلَهُ اللَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَمَرَهُ بِالْقِتَالِ فَكَفُّوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ الْآيَةَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ بِهِ.

وَقَالَ أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إِلَّا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، فَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَفْرِضَ عليهم القتال، فلما فرض عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ وَهُوَ الْمَوْتُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى.

وقال مجاهد: إن هذه الآية نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» .

وَقَوْلُهُ: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى أَيْ آخِرَةُ الْمُتَّقِي خَيْرٌ مِنْ دُنْيَاهُ.

وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أَيْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ بَلْ تُوَفَّوْنَهَا أَتَمَّ الْجَزَاءِ، وَهَذِهِ تَسْلِيَةٌ لَهُمْ عَنِ الدُّنْيَا وَتَرْغِيبٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَتَحْرِيضٌ لَهُمْ على الجهاد.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هشام، قَالَ: قَرَأَ الْحَسَنُ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا صَحِبَهَا عَلَى حَسَبِ ذلك، وما الدُّنْيَا كُلُّهَا أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا إِلَّا كَرَجُلٍ نَامَ نَوْمَةً فَرَأَى فِي مَنَامِهِ بَعْضَ مَا يُحِبُّ ثُمَّ انْتَبَهَ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ كَانَ أَبُو مسهر ينشد: [الطويل]

ولا خير في الدنيا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ... مِنَ اللَّهِ فِي دَارِ الْمُقَامِ نَصِيبُ

فِإِنْ تُعْجِبِ الدُّنْيَا رِجَالًا فإنها ... متاع قليل والزوال قريب

وقوله تَعَالَى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ أَيْ أَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَى الْمَوْتِ لَا مَحَالَةَ وَلَا يَنْجُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [الرَّحْمَنِ: ٢٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [آلِ عِمْرَانَ: ١٨٥] ، وَقَالَ تَعَالَى:

وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٤] وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ صَائِرٌ إِلَى الْمَوْتِ لَا مَحَالَةَ، وَلَا ينجيه من ذلك شيء سواء جَاهَدَ أَوْ لَمْ يُجَاهِدْ، فَإِنَّ لَهُ أَجَلًا محتوما، ومقاما مَقْسُومًا، كَمَا قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حِينَ جاء الْمَوْتُ عَلَى فِرَاشِهِ: لَقَدْ شَهِدْتُ كَذَا وَكَذَا مَوْقِفًا، وَمَا مِنْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِي إِلَّا وَفِيهِ جُرْحٌ مِنْ طَعْنَةٍ أَوْ رَمْيَةٍ، وَهَا أنا أموت على فراشي، فلا


(١) تفسير الطبري ٤/ ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>