للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْلَمَ «١» ، وَغَيْرُهُمْ يَقُولُونَ: أَنَصِيرُ نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُمْ سُفَهَاءُ؟

وَالسُّفَهَاءُ جَمْعُ سَفِيهٍ كَمَا أَنَّ الْحُكَمَاءَ جَمْعُ حَكِيمٍ وَالْحُلَمَاءَ جَمْعُ حَلِيمٍ، وَالسَّفِيهُ هُوَ الْجَاهِلُ الضَّعِيفُ الرَّأْيِ الْقَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِمَوَاضِعِ الْمَصَالِحِ وَالْمَضَارِّ، وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ سُفَهَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً [النِّسَاءِ: ٥] قَالَ عَامَّةُ عُلَمَاءِ التفسير: هُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، وَقَدْ تَوَلَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَوَابَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا فَقَالَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ فَأَكَّدَ وَحَصَرَ السَّفَاهَةَ فِيهِمْ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ يَعْنِي: وَمِنْ تَمَامِ جَهْلِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِحَالِهِمْ فِي الضَّلَالَةِ وَالْجَهْلِ وَذَلِكَ أَرْدَى لَهُمْ وَأَبْلَغُ فِي الْعَمَى وَالْبُعْدِ عن الهدى.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤ الى ١٥]

وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)

يقول تَعَالَى وَإِذَا لَقِيَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا: آمنا، وأظهروا لَهُمُ الْإِيمَانَ وَالْمُوَالَاةَ وَالْمُصَافَاةَ غُرُورًا مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَنِفَاقًا وَمُصَانَعَةً وَتَقِيَّةً، وَلِيُشْرِكُوهُمْ فِيمَا أَصَابُوا مِنْ خَيْرٍ وَمَغْنَمٍ وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ يَعْنِي إذا انْصَرَفُوا وَذَهَبُوا وَخَلَصُوا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ، فَضُمِّنَ (خَلَوْا) معنى انصرفوا لتعديته بإلى لِيَدُلَّ عَلَى الْفِعْلِ الْمُضْمَرِ وَالْفِعْلِ الْمَلْفُوظِ بِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ «إِلَى» هُنَا بِمَعْنَى «مَعَ» وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَعَلَيْهِ يَدُورُ كَلَامُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» . وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ:

خَلَوْا يَعْنِي مضوا، وشياطينهم: سادتهم وكبراؤهم من أحبار اليهود ورؤوس الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ. قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ: يَعْنِي هم رؤساؤهم في الْكُفْرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى أَصْحَابِهِمْ وَهُمْ شَيَاطِينُهُمْ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ مِنْ يَهُودَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ وَخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ إِلَى أَصْحَابِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قال: إلى رؤوسهم وَقَادَتِهِمْ فِي الشِّرْكِ وَالشَّرِّ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ فَسَّرَهُ أبو


(١) تفسير الطبري ١/ ١٦٢ والدر المنثور ١/ ٦٨- ٦٩.
(٢) قال ابن جرير: وأما بعض نحويي أهل الكوفة فإنه كان يتأول أن ذلك بمعنى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا، وَإِذَا صرفوا خلاءهم إلى شياطينهم ... إلخ. فيزعم أن الجالب «إلى» المعنى الذي دل عليه الكلام: من انصراف المنافقين عن لقاء المؤمنين إلى شياطينهم خالين بهم، لا قوله «خلوا» . وعلى هذا التأويل لا يصلح في موضع «إلى» غيرها، لتغير الكلام بدخول غيرها من الحروف مكانها. قال: وهذا القول عندي أولى بالصواب، لأن لكل حرف من حروف المعاني وجها هو به أولى من غيره. (تفسير الطبري ١/ ١٦٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>