للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَتَادَةَ: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ فَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَضَاءَتْ لَهُمْ فَأَكَلُوا بِهَا وَشَرِبُوا وَأَمِنُوا في الدنيا ونكحوا النساء وحقنوا دمائهم حَتَّى إِذَا مَاتُوا ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُنَافِقَ تَكَلَّمَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَضَاءَتْ له في الدُّنْيَا فَنَاكَحَ بِهَا الْمُسْلِمِينَ وَغَازَاهُمْ بِهَا وَوَارَثَهُمْ بِهَا وَحُقِنَ بِهَا دَمُهُ وَمَالُهُ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ سُلِبَهَا الْمُنَافِقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَصْلٌ فِي قَلْبِهِ وَلَا حَقِيقَةٌ فِي عمله وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ يَقُولُ: فِي عَذَابٍ إِذَا مَاتُوا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن ابْنِ عَبَّاسٍ: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ أَيْ يُبْصِرُونَ الْحَقَّ وَيَقُولُونَ بِهِ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ ظلمة الكفر أطفؤوه بكفرهم ونفاقهم فيه، فتركهم فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ هُدًى، وَلَا يَسْتَقِيمُونَ عَلَى حَقٍّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدِهِ: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ فَكَانَتِ الظُّلْمَةُ نِفَاقُهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ، فَذَلِكَ حِينَ يَمُوتُ الْمُنَافِقُ فَيُظْلِمُ عَلَيْهِ عَمَلُهُ عَمَلُ السُّوءِ فَلَا يَجِدُ لَهُ عَمَلًا مِنْ خَيْرِ عَمَلٍ بِهِ يُصَدِّقُ بِهِ قوله لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ قَالَ السُّدِّيُّ بِسَنَدِهِ: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ خُرْسٌ عُمْيٌ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ يَقُولُ لَا يَسْمَعُونَ الْهُدَى وَلَا يُبْصِرُونَهُ، وَلَا يَعْقِلُونَهُ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ: فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لا يرجعون إلى هدى، وكذا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ بِسَنَدِهِ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ، أَيْ لا يتوبون ولا هم يذكرون،

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩ الى ٢٠]

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)

هذا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِضَرْبٍ آخَرَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَهُمْ قَوْمٌ يَظْهَرُ لَهُمُ الْحَقُّ تَارَةً وَيَشُكُّونَ تَارَةً أُخْرَى فَقُلُوبُهُمْ فِي حَالِ شَكِّهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَتَرَدُّدِهِمْ كَصَيِّبٍ، وَالصَّيِّبُ الْمَطَرُ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَنَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ السَّحَابُ. وَالْأَشْهَرُ هُوَ الْمَطَرُ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فِي حَالِ ظُلُمَاتٍ، وَهِيَ الشُّكُوكُ وَالْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ (وَرَعْدٌ) وَهُوَ مَا يُزْعِجُ الْقُلُوبَ مِنَ الْخَوْفِ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ الْخَوْفَ الشَّدِيدَ وَالْفَزَعَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [الْمُنَافِقُونَ: ٤] وَقَالَ: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ. لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [التَّوْبَةِ: ٥٦- ٥٧] والْبَرْقُ هُوَ مَا يَلْمَعُ فِي قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الضَّرْبِ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>