للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنَافِقِينَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ مِنْ نُورِ الْإِيمَانِ وَلِهَذَا قَالَ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ أَيْ وَلَا يُجْدِي عَنْهُمْ حَذَرُهُمْ شَيْئًا لِأَنَّ اللَّهَ محيط بِقُدْرَتِهِ وَهُمْ تَحْتَ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ كَمَا قَالَ: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج: ١٧- ٢٠] بهم ثُمَّ قَالَ: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ أَيْ لِشِدَّتِهِ وَقُوَّتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَضَعْفِ بَصَائِرِهِمْ وَعَدَمِ ثَبَاتِهَا لِلْإِيمَانِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ يَقُولُ: يَكَادُ مُحْكَمُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ أَيْ لِشِدَّةِ ضَوْءِ الْحَقِّ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ (وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) أَيْ كُلَّمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ اسْتَأْنَسُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ وَتَارَةً تَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ أَظْلَمَتْ قُلُوبَهُمْ فَوَقَفُوا حَائِرِينَ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) يَقُولُ: كُلَّمَا أَصَابَ الْمُنَافِقِينَ من عز الإسلام اطمأنوا إليه وإذا أَصَابَ الْإِسْلَامَ نَكْبَةٌ قَامُوا لِيَرْجِعُوا إِلَى الْكُفْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ [الْحَجِّ: ١١] وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا أي يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم في قَوْلِهِمْ بِهِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ فَإِذَا ارْتَكَسُوا مِنْهُ إِلَى الْكُفْرِ (قَامُوا) أَيْ مُتَحَيِّرِينَ، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ بِسَنَدِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَكَذَا يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عند ما يُعْطَى النَّاسُ النُّورَ بِحَسَبِ إِيمَانِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى مِنَ النُّورِ مَا يُضِيءُ لَهُ مَسِيرَةَ فَرَاسِخَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْفَأُ نُورُهُ تَارَةً وَيُضِيءُ لَهُ أُخْرَى، فَيَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ تَارَةً وَيَقِفُ أُخْرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْفَأُ نُورُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُمُ الْخُلَّصُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [الْحَدِيدِ: ١٣] وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [الْحَدِيدِ: ١٢] ، وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التَّحْرِيمِ: ٨] .

ذِكْرُ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ

قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الْآيَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدَنِ، أبين

<<  <  ج: ص:  >  >>