للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان على الإنسان أن يستحضر له وجوده كله، وأن يلقاه بوجوده كلّه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «قَوَّامِينَ لِلَّهِ» حيث يحمل هذا الفعل معنيين، يكمل أحدهما الآخر: القيام، ثم المبالغة فى هذا القيام إلى أقصى حد يستطاع.

وهذه الدعوة بالقيام بأمر الله ونهيه، والمبالغة فى هذا القيام، هو أمر ملزم للمؤمن فى ذاته، كما هو ملزم للمؤمنين جميعا.. الإنسان فيما هو له وعليه، والجماعة كلها فيما هو لها أو عليها.. فليس يكفى لسلامة الإنسان أن يسلم فى نفسه، وإنما أن تسلم الجماعة معه، ففى سلامتها سلامة له، وفى عطبها عطب ضمنى له! وقد شرحنا هذه الآية عند وقوفنا بين يدى الآية الكريمة: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» (١٣٥: النساء) ويلاحظ أن صورة النظم قد اختلفت هنا عن صورتها هناك، فقد سلّط كل من الفعلين على ما سلط عليه صاحبه: «كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ» .. «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ» وهذا يعنى أن القوامة بالقسط هى قوامة لله، وأن الشهادة لله هى شهادة بالقسط.. ذلك أن القسط هو العدل، والعدل صفة من صفات الحق جلّ وعلا.. ومجموع الصورتين يعطينا صورة مؤكّدة للمأمور به فيهما، هكذا:

كونى قوامين لله.. شهداء لله.

كونوا قوامين بالقسط.. شهداء بالقسط.

ولكنّ النظم القرآنى جاء بهما على هذا النمط الذي صانهما من هذا التكرار، كما فوّت الجمع بين الله سبحانه وتعالى وبين صفته. وكلاهما نحن مدعوون إلى توقيره، مأمورون بالاحتفاء به.

<<  <  ج: ص:  >  >>