للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يجمعهم إليه رحم، ولا يمسك بهم معه إيمان.. فما لقى منهم أنبياؤهم إلا البهت والتكذيب، أو التطاول بالأذى والقتل..

ومن أساليبهم الخبيثة فى قطع الوسائل بينهم وبين حملة الهدى إليهم من أنبيائهم، أنهم إذا أعيتهم الحيل فيهم، وفضحتهم الحجج معهم، وضاقت عليهم سبل الإفلات من الآيات المشرقة التي تطلع عليهم من كل أفق- لا يتحرجون من أن يلصقوا بأنفسهم التّهم ويقولون فيما يقولون:

«قُلُوبُنا غُلْفٌ» !!.

هكذا هم حقّا، ولكن القوم يقولونها بألسنتهم لا عن اعتراف بالحق، ولا عن شجاعة فى كشف عيوب النفس بغية إصلاحها، ولكن يقولون ذلك تخابثا واحتيالا، ليتخلصوا من يد الحق المستولية عليهم، ولهذا كان ردّ الله زاجرا قاتلا: «بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ» أي أنهم واقعون تحت لعنة الله، فإذا آمن أحدهم فلا يخالط الإيمان كيانه، وإنما يلمّ به إلماما، وقد أشرنا إلى هذا فى تفسير قوله تعالى: «ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ» !.

إن الحق عند القوم ليس حقّا لأنه حق فى ذاته، وإنما يكون حقّا يأخذون به، ويلتزمونه، إذا هو حقق لهم نفعا عاجلا، وكسبا ذاتيا، وإلا فهو باطل الأباطيل، يسلقونه بألسنتهم، ويرمونه بأيديهم.. هكذا هم فى قديمهم، وكذلك هم فى حديثهم!.

كان علمهم من التوراة يحدثهم بأن نبيا سيظهر فى العرب، وأن الله قد أخذ على الأنبياء، وعلى أتباع الأنبياء، الميثاق أن يكونوا مع هذا النبىّ إذا ظهر، وجاءهم بكتاب مصدق لما معهم.. وقد تحدّث اليهود إلى العرب بهذا، وبأنهم سينتصرون لهذا النبىّ ويكونون معه وبه قوة على العرب

<<  <  ج: ص:  >  >>