للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأبى ألسنتهم إلا أن تلتوى به- فجعلوا «راعنا» «راعنا» بالتنوين، يريدون بها صفة ذم، من الرعونة والطيش، ينطقون بها فى خبث تلتوى به ألسنتهم، حتى لا ينفضح أمرهم، ولا يجد من يعلم خبيئة أنفسهم، وسوء مكرهم، السبيل إلى مؤاخذتهم.. هكذا المنافق، حريص حرص الغراب، حذر حذر الضبّ، ناعم نعومة الحية!.

ولإبطال هذا المكر السيّء، نبّه الله المؤمنين إلى أن يستبدلوا بكلمة «راعنا» كلمة «انظرنا» ، حيث لا يجد اليهود سبيلا إلى هذه الكلمة، بالتحريف الماكر! وقد ذكر القرآن الكريم هذا الموقف اللئيم الذي يقفه اليهود من الحديث مع رسول الله، وتعاملهم بالكلمة المنافقة معه، فقال تعالى:

«مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا» (٤٦: النساء) .

وانظر كيف نفاقهم.. تصرح ألسنتهم بالكلمة الطيبة، ثم تخطفها قلوبهم، بالكلمة الخبيثة.. فإذا قالوا جهرا: «سمعنا» قالوا سرا: «وعصينا» ! وإذا قالوا وأسمعوا: «اسمع» قالوا ولم يسمعوا: «غير مسمع» ! يدعون على النبىّ بالصمم.. وإذا قالوا «راعنا» نطقوا بحروفها الأولى نطقا سليما، حتى إذا بلغوا مقطعها الأخير، اضطربت ألسنتهم بالنون فجاءت بين المدّ والتنوين! وقد كان الأولى باليهود، أهل الكتاب، أن يدعوا الناس إلى الله، وأن يسعدوا بهداية الناس إلى طريق الحق والهدى، ولكن الأثرة التي تملك

<<  <  ج: ص:  >  >>