للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهناك تقديم وتأخير.. بحيث تبدو الجمل، وكأنما يدفع بعضها بعضا، ليزيله عن موضعه قسرا..

وهناك جمل اعتراضية، تكاد تعزل المبتدأ عن خبره، والفعل عن فاعله.. بحيث لا يهتدى إلى الجمع بينهما إلا بعد نظر دقيق، وبحث شامل..

وهناك ضمائر يتجاذبها أكثر من عائد يريدها أن تعود إليه، وتلتقى به..

ثم هناك هذا العسر الشديد فى التقاط الكلمات، وشدّها إلى اللسان، وجمعها عليه..

هذا وذاك كلّه، مما يجعلنا نقف بين يدى هذه الآيات، ونملأ العين والقلب من بعض ما يفيض من أضوائها، لعلّنا نمسك بشىء من الحكمة فى قيام بنائها على هذه الصورة الفريدة فى النظم القرآنى! ونقرأ الآيات مرة ومرة، فإذا هى كعهدنا بها تتأبّى على اللسان، وتكاد تمسك به..

ثم نعود فنقرؤها قرآنا مرتلا، ونجيئها مستصحبين قوله تعالى: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» ، فإذا هى كلمات متناغمة، يأنس بعضها إلى بعض، ويتجاوب بعضها مع بعض، وإذا هى على اللسان ليّنة المسّ، عذبة المذاق، وإذا هى على الأذن لحن موسيقى، علوىّ النغم، يهزّ القلب، ويمسك بمجامعه! وننظر فى وجه الآيات مرة أخرى، فإذا هى مسفرة مشرقة، تتلألأ بأضواء الحكمة والموعظة الحسنة، وإذا بنا منها بين يدى دعوة قاهرة، وسلطان غالب، يلزمنا أن نقف عند حدوده، ويمسكنا أن نفلت من بين يديه، إذا نحن حاولنا ذلك، واستجبنا لداعى أنفسنا للإفلات منه..

ونسأل: ما حكمة هذا التدبير فى النظم الذي جاءت عليه تلك الآيات؟

<<  <  ج: ص:  >  >>