للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- «يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ، لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» .

فأول ما ينظر فيه هذا الخليفة، هو أن ينظر إلى نفسه، وأن يخرج من عالم الحيوان العاري، إلى هذا الإنسان الذي ينبغى أن يبدأ بستر عورته أولا، ثم يتجمل بما يقدر عليه مما بين يديه، من هذا الخير الكثير الذي بثّه الله فى الأرض.. ثانيا.

وإذن فعلى الإنسان أن ينسج له من خيوط هذه الموجودات المبثوثة فى الأرض، حياة غير حياة الحيوان، وأن يصنع بعقله وبيده وجودا كريما، وبهذا يحق له أن يجلس على كرسى الخلافة، ويمسك بيده، زمام الكائنات التي تعيش معه.

والريش هو الزينة، وكذلك الرياش، وهو شىء إضافى، فوق الحاجة الضرورية، ولهذا جاء بعد اللباس الساتر للعورة.. فهو مأخوذ من الريش الذي يكسو الطائر ويزينه.

ثم بعد أن يأخذ الإنسان لجسده ما يستره ويجمّله، عليه أن يحصّل لكيانه الداخلى، من المشاعر والأحاسيس والوجدانات والمدركات- ما يستره ويجمّله، وذلك هو لباس التقوى، وهو خير لباس يتزيا به الإنسان، ويتجمل..

وفى قوله تعالى: «وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ» إشارة إلى أن هذا اللباس إنما هو مما ينسجه الإنسان من ذات نفسه، إذ لا وجود له فى العالم الخارجي، ولهذا لم يعطفه الله سبحانه وتعالى على قوله: «أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ» حيث مادة هذا اللباس هى مما يراه الإنسان ويلمسه بحواسه فى النبات أو الحيوان، على حين أن مادة التقوى شىء مطوى فى ضمير الإنسان، مدسوس فى كيانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>