للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانظر كيف يعمى البغي أهله عن مواقع الحق، وكيف يزيّن لهم الضلال فيرونه هدى.

«قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» .

موسى إذن هو الذي يفسد في الأرض؟ وهو الذي ما جاء إلا ليخلّص أناسا استذلّهم فرعون، وسامهم سوء العذاب؟ إنه ما جاء ليشارك فرعون في ملكه، ولا لينازعه سلطانه.. وإنما جاء ليستنقذ أناسا من العبودية، ويرفع عنهم يد التسلط والبغي.. فكيف تصح تلك الدعوى التي يدعونها عليه؟

وفي قول الملأ من قوم فرعون: «وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ» تحريض قوى لفرعون على أن يضرب ضربته، وأن يعجّل بها قبل أن يتابع الناس موسى، ويدخلوا في دعوته، ويؤمنوا بالله كما آمن السحرة، فلا يبقى إلا فرعون وتلك المعبودات التي يعبدها..!

وينظر فرعون في هذا القول، وترتسم له الصورة التي يطل بها عليه، لو أنّه ترك موسى وشأنه.. إن فرعون إذا صبر على تلك الحال، فسوف يتخلّى عنه كل شىء، حتى هذ الملأ الذين حوله من أعوان ووزراء.. إنه وحده الذي سيظل على دينه.. هذا إذا لم ترغمه الظروف وتقهره على أن ينقاد لموسى ويصبح من أتباعه!! وتغيم الدنيا في وجه فرعون، ويستبدّ به جنون الكبر والسلطان، فيصدر حكمه على موسى وقومه جميعا:

«قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ» ..

إنه استئصال لهؤلاء القوم، وقتل بطيء لهم بقتل أولادهم، وإذلال شديد

<<  <  ج: ص:  >  >>