للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا» استبعاد لهذا الشعور الذي يداخل بعض المؤمنين من أن يكون حسبهم من إيمانهم ما تنطوى عليه صدورهم من حقائقه.. وكلّا فإنهم مبتلون بما يكشف عن معدن هذا الإيمان الذي فى قلوبهم.. وفى هذا يقول الله تعالى: «الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ» (١- ٣: العنكبوت) ..

ففى الإيمان شريعة، وفى الشريعة أوامر ونواه، والمؤمن مطالب بأن يمتثل الأوامر ويأتيها، ويتجنب النواهي ويحذر التلبس بها.. إن الإيمان عقيدة وعمل.. وإنه لا معتبر لعقيدة إذا لم يزكّها العمل، ويحقق المعاني المضمرة فيها.

وفى وقوله سبحانه: «وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ» ما يكشف عن تبعات المؤمنين. أي أحسبتم أيها المؤمنون أن تتركوا هكذا من غير ابتلاء واختبار، حتى يكون ذلك موضع علم واقع منكم، من جهاد فى سبيل الله وابتلاء فى أموالكم وأنفسكم.. بمعنى أنه لم يظهر منهم بعد هذا العمل، ولم يدخلوا فى تلك التجربة، ويصبروا على ما يصيبهم منها.. أما علم الله سبحانه وتعالى فهو علم شامل لكل ما وقع وما لم يقع.. فالمراد بعلم الله هنا، هو علمه الواقع على حال المؤمنين فى هذا الوقت الذي يخاطبون فيه بهذا الخطاب.

وفى قوله تعالى: «وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ» ..

إشارة إلى أن علم الله وإن كان محيطا بكل شىء، قبل أن يقع.. من المكلفين» إلا أن المكلفين لا يحاسبون على ما يقع منهم إلا بعد أن يقع.. وبهذا يحاسب

<<  <  ج: ص:  >  >>