للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أنهم إذ جعلوا لله سبحانه أن يتخذ ابنا، وإذ أقاموا فى معتقد أتباعهم هذا التصور، فإن ذلك يفسح لهم مجال القول بأنهم من الله بمنزلة الأبناء أو الأحفاد، ومن ثمّ ساغ لهم أن يفرضوا على الناس هذا السلطان الدينىّ يحكم صلتهم بالله، وأن لهم الكلمة عند الله فى قبول من يقبلونه، وفى ردّ من يردونه، وبهذا السلطان الذي جعلوه لهم عند الله كان فرضا لازما على أتباعهم أن يحكّموهم فى كل شىء لهم، من مال ومتاع، بعد أن حكموهم فى دينهم ومعتقدهم.. ومن هنا تسلّط كثير من الأحبار والرهبان على أكل أموال الناس بهذا الباطل، الذي زينوه لهم، ودخلوا عليهم منه..

وانظر إلى تلك الدعوة- دعوة الإسلام- التي تقوم على الإيمان بالله وحده إيمانا خالصا من الشرك، مبرأ من الوساطات، التي تقوم بين الإنسان وربّه- أتجد لإنسان- مهما يكن فى الناس- أن يتسلط على إنسان فى معتقده، أو يعترض طريقه إلى الله، أو أن يضع بين يديه صكّا يأذن له فيه بلقاء الله وطلب مغفرته ورضوانه؟ ذلك ما لا يكون فى دعوة تضع الناس جميعا أمام إله متفرد بالألوهية، لا شريك له، من صاحبة أو ولد، أو حبر أو راهب.. إن الحريّة الشخصية التي هى دين الإنسان العصرى اليوم، تنقضها تماما تلك الوصاية الدينية التي يفرضها عليه رجال الدين، ويحولون بينه وبين أن ينظر فى أمور عقيدته، وأن يعرضها على عقله.. والإسلام وحده، هو الذي يمنح الإنسان هذه الحرية المطلقة فى النظر فيه، وعرض كل حقائقه على عقله.. بل إن الإسلام لا يرضى ممن يؤمن به أن يأخذه عن طريق غير طريق عقله وإدراكه، وأن يتلقّاه متابعا مقلّدا.

وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ» .. هو وعيد لهؤلاء الأحبار والرهبان،

<<  <  ج: ص:  >  >>