للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ» أي جعل الله سبحانه من هذه الشهور الاثني عشر، أربعة أشهر حرم، أي يحرم فيها القتال بين الناس.. فمن بدأ فيها بقتال كان معتديا على حدود الله، وكان الدم الذي يراق فى هذا القتال واقعا إثمه على من بدأ القتال.. «ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» .. أي هذا هو الشّرع القويم الذي شرعه الله.. أو ذلك هو الحساب السليم الذي وضعه الله لعدة الشهور، ولبيان الأشهر الحرم منها.. لأن الدين يأتى بمعنى الشريعة، كما يأتى بمعنى «الحساب» ومنه قول الرسول الكريم: «الكيّس من دان نفسه» أي حاسبها.. «فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ» باستباحة حرمتها وإراقة الدماء فيها، ففى هذا ظلم لأنفسكم بالدخول فى هذه التجربة القاسية، وفى تعرضكم لهذا الامتحان الذي عافاكم الله منه، فجعل لكم هذه الأشهر الحرم سكنا آمنا، تفيئون فيها إلى العافية والسلام، وتستظلون فيها بظلّ الطمأنينة والأمن، فإنه ليس بكثير عليكم أيها الناس أن تعيشوا فى سلام مطلق، أربعة أشهر من كلّ عام، إذ كانت حياتكم قائمة على الشرّ والعدوان..

والأشهر الحرم، دعوة إلى السلام الذي ينبغى أن يقوم بين الناس، حتى تطيب لهم الحياة، وحتى يكون سعيهم كلّه متجها إلى العمل المثمر، الذي يعود عليهم جميعا بالخير والبركة، والنّماء لما فى أيديهم من عمل، فى غير مجال الحرب والقتال..

والأشهر الحرم كذلك، هدنة تقطع حبل القتال إذا كان واقعا بين جماعة وجماعة، وهذه الهدنة من شأنها أن تدعو المتقاتلين إلى مراجعة أنفسهم، وإلى العمل على الخلاص من هذا البلاء الذي حلّ بهم، فيطرقون باب السّلم، أو يفتحونه لمن يدعوهم إليه..

والأشهر الحرم هى: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، وقد بينها الرسول صلوات الله وسلامه عليه فى خطبته فى حجة الوداع بقوله: «ألا وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>