للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقضائه شيئا، وهذا ما أشار إليه يعقوب بقوله: «وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ» .. ولكنّها حاجة فى نفس يعقوب قضاها، وكان واجبا عليه أن يقضى هذه الحاجة، كما كشف عنها تقديره، وتدبيره.. ذلك أن واجبا على الإنسان أن يدبّر نفسه، وأن ينظر فى شئونه وأحواله، وأن يزنها بالميزان الذي ترجح فيه كفة خيرها على شرها، حسب تقديره وتدبيره، ثم يمضى أمره ذلك على الوجه الذي قدره.. أما ما قدّره الله سبحانه وتعالى فهو محجوب عنه، لا ينكشف له حتى يقع. وهو واقع لا شكّ على ما قدّره الله سبحانه وقضى به.. سواء اتفق مع تقديره هو أم اختلف..

فالإنسان مطالب بأن يعمل، غير ناظر إلى قدر الله وقضائه، لأنه لا يعلم ولا يرى، ما قدّره الله وقضاه، ولو أنّه انتظر حتى ينكشف له القضاء، ما عمل شيئا أبدا حتى يقع القضاء، وينفذ القدر، حيث لا يكون له فى هذا سعى واجتهاد، ولكان بهذا كائنا مسلوب الإرادة، فاقد الإدراك! وهذا ما لا ينبغى أن يكون عليه الإنسان، وقد وهبه الله عقلا، وأودع فيه إرادة..!

وسنعرض لموضوع القضاء والقدر، عند تفسير قوله تعالى: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ» (٧٩: الكهف) - فى هذا اللقاء المثير الذي كان بين موسى وبين العبد الصالح..

- وفى قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ» - إشارة إلى أن يعقوب يعلم هذه الحقيقة، وهى أن قضاء الله نافذ لا مردّ له، ولكنه مطالب بأن يعطى وجوده حقّه، من حيث هو إنسان عاقل مريد..

فهو ذو علم لما علّمه الله سبحانه وتعالى، وهو بهذا العلم يعمل ما يمليه عليه عقله، ويدلّه عليه نظره، متوكلا على الله، مفوضا أمره إليه، راضيا بما يأتى به قضاء الله فيه! «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» هذه الحقيقة.. فهم بين

<<  <  ج: ص:  >  >>