للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وفى قوله تعالى: «حِجاباً مَسْتُوراً» إشارة إلى أن هذا الحجاب، شىء معنوى، غير محسوس، لا يرى، فهو مستور عن نظر القوم.. إنه حجاب مضروب على آذانهم فلا تسمع، وعلى قلوبهم فلا تعقل.

قوله تعالى: «وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً» ..

هو بيان لهذا الحجاب المستور، الذي جعله الله سبحانه وتعالى بين المشركين وبين النبىّ، وهو يقرأ القرآن، ويرفع منه للناس معالم الهدى.. فهؤلاء المشركون قد جعل الله على قلوبهم أكنة، أي أغطية كثيفة، أشبه بالجحر الذي يستكنّ فيه الحيوان، ويعتزل فيه العالم الخارجي، فلا يرى أحدا، ولا يراه أحد..

كذلك جعل على آذانهم «وقرا» أي ثقلا فى السّمع، فلا تسمع شيئا.. فقد يحتجب الحيوان داخل كنّه عن العالم الخارجي، ولكن يظل مع ذلك متصلا به عن طريق السّمع.. أما هؤلاء المشركون، فقد أخذ الله سمعهم وأبصارهم، وختم على قلوبهم.. فهم أموات غير أحياء، وإن خيل إليهم أو للناس أنهم أحياء.. يسمعون، ويبصرون، ويعقلون! - وفى قوله تعالى: «وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً» - إشارة إلى ما ركب المشركين من ضلال، فى تصورهم لمقام الألوهية..

فهم يقبلون الاستماع إلى أي حديث يذكر فيه الله مع الآلهة التي يعبدونها..

أما إذا ذكر الله وحده فى قرآن أو غيره، فذلك حديث بغيض إليهم، يلقونه منكرين، بل مذعورين، إذا وقع على آذانهم: «وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً» أي صدموا به، فارتدوا على أدبارهم كما ترتدّ الكرة، اصطدمت بحائط! قوله تعالى: «نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً» ..

<<  <  ج: ص:  >  >>