للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا فى هذه الآيات، تأويل كلّ حدث منها..

وفى كلمة «تأويل» إشارة إلى أن هذه الأحداث- كما بدت فى ظاهرها- لا تعدو أن تكون أشبه بالأحلام، التي لها مفهوم يغاير منطوقها فى صورته، وأن هذا المفهوم لا يعلمه إلا الله والراسخون فى العلم، وذلك كتأويل «يوسف» لرؤيا الملك، التي عجز العلماء عن تأويلها، وقالوا: «أَضْغاثُ أَحْلامٍ، وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ» .. (٤٤: يوسف) فالأحداث التي أجراها العبد الصالح بين يدى موسى أشبه بهذه الرّؤى، وإن كانت أبعد فى المفارقة، بين منطوقها ومفهومها.

وتأويل الحدث الأول، هو كما يقول العبد الصالح:

«أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً.»

هكذا الأمر إذن؟

إنه كما يبدو الآن عمل من أعمال البرّ والرحمة لأصحاب السفينة.. وقد كان يرى من قبل عدوانا عليهم، وظلما صارخا لهم..

إن هذا الخرق الذي أحدثه العبد الصالح فى السفينة، قد جعلها سفينة معطوبة، معيبة، لا تصلح للغرض الذي من أجله كان الملك يستولى على السفن، وينتزعها من يد أصحابها، قهرا وقسرا.. وبهذا تخطّت عين الملك هذه السفينة، حين رآها على تلك الحال، وبهذا أيضا سلمت السفينة من هذا العدوان، وبقيت فى أيدى أصحابها المساكين، الذين يعملون عليها، ويرزقون منها.

أما هذا العطب الذي لحق بالسفينة- أيّا كان- فإنه ممكن إصلاحه..

- وفى قوله: «وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ» لا تعنى كلمة «وَراءَهُمْ» أن الملك نفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>