للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى سنّ الكهولة.. وهذا تعليل- إن صح- فإنه يقوم على اعتبار أن رجعة المسيح أمر سيقع، وأنه لا وجه لهذا التعليل إذا كانت تلك الرجعة مشكوكه فيها، أو مقطوعا بعدم وقوعها.

وإذا كان من رأينا أن رجعة السيد المسيح من الأمور غير المحققة، وأن الشك فى وقوعها- فى رأينا- يغلب أي احتمال ينبنى على روايات وآثار تقول بها- إذا كان هذا هو رأينا، فإننا نرى لتعليل هذا الأمر- وهو كلام المسيح كهلا- وجها آخر.

فنقول- والله أعلم-: إنه لمّا كان النطق فى المهد أمرا واقعا على غير المألوف، خارجا عن طبيعة البشر، فقد يقع فى حساب الناس وتقديرهم أن هذا الوليد الذي تكلم فى المهد، سيسلك فى الحياة مسلكا غير مسلكهم، ويسير فى طريق غير طريقهم، وأنه وقد بدأ حياته متكلما يوم مولده، فغير مستبعد أن يكون كلاما بعد أن يكبر ويشب واقعا على صورة أخرى مفارقة لكلامه فى المهد.. فالطفل يبدأ الكلام بأصوات أشبه بأصوات الحيوان.. ثم تستبين تلك الأصوات شيئا شيئا، حتى تصبح لغة واضحة، ذات دلالة محدودة مفهومة.. وقياسا على هذا.. قد يقع فى التقدير أن كلام المسيح سيتدرج كما يتدرج كلام الطفل.. وأنه وقد بدأ بالكلام واضحا فصيحا من أول يوم، فإنه فى تدرجه بعد هذا سينتهى إلى صورة أخرى من الكلام، يكون الفرق بين أولها وآخرها، كالفرق بين أصوات الطفل، وبين كلامه فى الكهولة والشباب! هذه بعض المفاهيم التي يمكن أن تقع فى الأفهام وتدور فى الخواطر، عن هذا الحدث العظيم.. وهذا ما يدفعه قوله تعالى: «وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا» .. حيث تقرّر الآية أن كلام عيسى فى المهد وكلامه فى الكهولة على

<<  <  ج: ص:  >  >>