للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنهم على دين إبراهيم! وقد كثر جدلهم وحجاجهم فى هذا.. فكان أن أنكر الله على الفريقين دعواهم.. «لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ» فكيف يدين إبراهيم بالتوراة والإنجيل وقد سبقهما بزمن طويل؟ وليست التوراة إحالة على دين إبراهيم، حتى يكون ما عليه اليهود هو دين إبراهيم، وإنما جاءت التوراة بشريعة خاصة لليهود، وإن كانت الشرائع كلها مستمدة من مصدر واحد.. ولكن لكل دين شريعة خاصة بالجماعة المدعوة إلى هذا الدين، قال الله تعالى: «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً» (٤٨: المائدة) .

وكذلك الشأن فى الإنجيل، إذ ليس فيه شريعة، وإنما شريعة أتباع الإنجيل هى التوراة! وفى قوله تعالى: «أَفَلا تَعْقِلُونَ» تعريض بأهل الكتاب، وبغلبة التعصب الذي أعمى بصائرهم عن النظر فى البديهيات، فضلا عن المشكلات.

وقوله تعالى: «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ» هو استدعاء لموقف أهل الكتاب وفيما يجادلون فيه، مما فى أيديهم من التوراة والإنجيل عن المسيح، وأمه، ومولده ومعجزاته، وصلبه.. فهذا الموقف على علّاته، وما فيه، من مقولات باطلة، هو أصح من موقفهم الجدلىّ فى إبراهيم عليه السّلام، وفى يهوديته ونصرانيته، إذ كان الموقف الأول يستند إلى شىء.. أي شىء، على حين أن الموقف الآخر لا يستند إلا على خواء!! وقوله تعالى: «وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» إفحام لهؤلاء الذين يتقوّلون بغير علم، وإخراس لألسنتهم التي تجادل بالزور والبهتان.. فليس لهم مع قول الله قول، وليس لهم مع علمه علم.. فالله يعلم علما مطلقا محيطا بكل شىء..

وهم لا يعلمون من علم الله شيئا!

<<  <  ج: ص:  >  >>