للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم حكى سبحانه أمر الملائكة لهم على سبيل التهكم والتوبيخ حين بسط أيديهم لقبض أرواحهم.

(أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) أي أخرجوا أنفسكم مما هى فيه إن استطعتم، أو أخرجوها من أبدانكم.

قال صاحب الكشاف: هذا تمثيل لفعل الملائكة فى قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح يبسط يده إلى من عليه الحق ليعنّفه عليه فى المطالبة ولا يمهله ويقول له:

أخرج مالى عليك الساعة، ولا أريم- لا أبرح- مكانى حتى أنزعه من أحداقك.

ويرى بعضهم أنه لا داعى للعدول عن الحقيقة إلى التمثيل، فربما تمثّل الملائكة للبشر بمثل صورهم، وتخاطبهم بمثل كلامهم، فهى إذا ممكنة على الحقيقة فلا معدل عنها.

(الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) أي تقول لهم الملائكة وقت الموت: اليوم تلقون عذاب الذل والهوان جزاء ظلمكم لأنفسكم بسبب ما كنتم تقولون مفترين على الله غير الحق كقول بعضهم ما أنزل الله على بشر من شىء، وقول بعض آخر: إنه أوحى إليه ولم يوح إليه شىء، وإنكار طائفة لما وصف الله به نفسه من الصفات، واتخاذ أقوام له البنين والبنات، واستكبار آخرين عن الاعتراف بما أنزل الله من الآيات، احتقارا لمن أكرمه الله بإظهارها على يده ولسانه ثم ذكر سبحانه ما يقوله لهم يوم القيامة بعد ذكر ما تقول لهم ملائكة العذاب فقال:

(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي ولقد جئتمونا وحدانا منفردين عن الأنداد والأوثان والأهل والإخوان، مجردين من الخدم والأملاك والأموال، كما خلقناكم أول مرة من بطون أمهاتكم حفاة عراة غلفا ولا منافاة بين هذه الآية وبين قوله: «وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ» لأن المراد لا يكلمهم تكليم تكريم ورضا.

(وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ) أي إن ما كان شاغلا لكم من المال والولد والخدم والحشم والأثاث والرياش عن الإيمان بالرسل، والاهتداء بما جاء ولم ينفعكم كما

<<  <  ج: ص:  >  >>