للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن لم يخرج منه شعيب ومن آمن معه إخراجا وهم كارهون، كما أخرج خاتم النبيين مع صحبه السابقين الأولين إلى الإسلام- خرجوا مهاجرين كما فعل إبراهيم عليه السلام- كما حكى الله عنه: «وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» .

وقد أوجب الله الهجرة على من يستضعف فى وطنه، فيمنع من إقامة دينه فيه، فإن لم يفعل ذلك دخل تحت وعيد قوله: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ؟ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ- قالُوا: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها؟ فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً» .

ثم بين أحق الأمرين بالرفض وأجدرهما بالبغض متعجبا من كلامهم فقال:

(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها) أي ما أعظم افتراءنا على الله إن عدنا فى ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وهدانا الصراط المستقيم باتباع ملة إبراهيم.

وإذا كان اتباع ملتكم يعدّ افتراء على الله، لأنه قول عليه لا علم لنا به بوحي ولا برهان من العقل، فكيف بمن يفترى عليه ويضل عن صراطه على علم؟، فالكفر بالحق وغمطه بعد العلم به هو شر أنواع الكفر، والافتراء على الله فيه أفظع ضروب الافتراء التي لا تقبل فيها الأعذار بحال.

وفى قوله إذ نجانا أي نجا أصحابى منها فهو تغليب بإدخاله فى زمرتهم، أو نجانى من الانتماء إلى هذه الملة التي ما كنت أو من بعقيدتها ولا أعمل بعمل أهلها، ولم أهتد بعقلي ورأيى إلى ملة خير منها فوقفت موقف الحيرة فى شأنها، كما جاء فى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» وقوله: «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>