للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى الجملي]

ذكر قبل هذه الآيات معاذير لليهود اعتذروا بها عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من الآيات البينات، كقولهم إنهم مؤمنون بكتاب من ربهم، فلا حاجة لهم بهداية غيره، فنقض دعواهم وألزمهم الحجة، وقولهم إنهم ناجون حتما في الآخرة، لأنهم شعب الله وأبناؤه فأبطل مزاعمهم ودحض حججهم.

وهنا ذكر تعلّة أخرى هى أعجب من كل ما تقدم وفنّدها كما فنّد ما قبلها، تلك هى قولهم: إن جبريل الذي ينزل على محمد بالوحى عدوهم، فلا يؤمنون بما يجىء به منه، وقد أثر عنهم عدة روايات تشرح هذه المقالة.

منها

أن أحد علمائهم وهو عبد الله بن صوريا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الملك الذي ينزل عليه بالوحى، فقال: هو جبريل،

فقال ابن صوريا: هو عدو اليهود لأنه أنذرهم بخراب بيت المقدس فكان ما أنذر به.

ومنها أن عمر بن الخطاب دخل مدراسهم فذكر جبريل فقالوا ذاك عدوّنا، يطلع محمدا على أسرارنا، وأنه صاحب كل خسف وعذاب، وأن ميكائيل ملك الرحمة ينزل بالغيث والرخاء.

ولا شك أن هذا منهم دليل على خطل الرأى وعدم التدبر، وإنما ذكره الكتاب الكريم ليستبين للناس حجج أهل الكتاب ويعرفوا مقدار مرائهم وسخفهم في جدلهم وأنهم ضعاف الأحلام قليلو التبصر في عواقب ما يقولون.

[الإيضاح]

(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ) أي قل لهم أيها النبي حاكيا لهم عن الله: من كان عدوّا لجبريل، فإن من أحوال جبريل أنه نزّل القرآن على قلبك، أي فهو عدو لوحى الله الذي يشمل التوراة وغيرها، ولهدى الله لخلقه،

<<  <  ج: ص:  >  >>