للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيضاح]

(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي قال قومه له: قد حاججتنا فأكثرت جدالنا واستقصيت فيه فلم تدع حجة إلا ذكرتها حتى مللنا وسئمنا ولم يبق لدينا شىء نقوله كما قال فى سورة نوح حكاية عنه:

«قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً. فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً» أي فأتنا بما تعدنا من عذاب الله الدنيوي الذي تخافه علينا وهو الذي أراده بقوله (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) إن كنت صادقا فى دعواك أن الله يعاقبنا على عصيانه فى الدنيا قبل عقاب الآخرة.

(قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي قال لهم نوح حين استعجلوا العذاب: يا قوم إن هذا العذاب بيد الله لا أملكه وهو الذي يأتيكم به إن تعلقت مشيئته فى الوقت الذي تقتضيه حكمته، ولستم بفائتيه هربا منه إن أخره لحكمة يعلمها، وهو واقع لا محالة متى شاء، لأنكم فى ملكه وسلطانه، وقدرته نافذة عليكم.

(وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) أي إن نصحى لكم لا ينفعكم بمجرد إرادتى له فيما أدعوكم إليه، بل يتوقف نفعه على إرادة الله تعالى له، وقد مضت سنته كما دلت عليه التجارب أن النصح إنما يقبله المستعد للرشاد، ويرفضه من غلب عليه الغى والفساد، باجتراحه أسبابه من غرور بغنى وجاه، أو باتباع هوى وحب شهوات، تمنع من طاعة الله تعالى.

والخلاصة- إن معنى إرادة الله إغواءهم اقتضاء سننه فيهم أن يكونوا من الغاوين لا خلقه للغواية فيهم ابتداء من غير عمل منهم ولا كسب لأسبابها، فإن الحوادث مرتبطة بأسبابها والنتائج متوقفة على مقدماتها.

(هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي هو مالك أموركم ومدبرها بحسب سننه المطردة

<<  <  ج: ص:  >  >>