للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيضاح]

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ) أي إن هذين الموضعين من علامات دين الله، وكذلك الأعمال والمناسك التي تعمل بينهما وهى السعى بينهما هى أيضا من الشعائر، لأن القيام بها علامة الخضوع لله والإيمان به وعبادته إذعانا وتسليما.

والأحكام الشرعية قسمان:

(١) نوع يسمى بالشعائر وهى ما تعبّدنا الله تعالى به كالصلاة على وجه مخصوص، والتوجه فيها إلى مكان معين سماه بيته، مع أنه من خلقه كسائر العالم، وكمناسك الحج وأعماله، فمثل هذا شرعه الله لنا لمصلحة لا نفهم سرها تمام الفهم، ولا نزيد فيه ولا ننقص، ولا يؤخذ فيه برأى أحد ولا باجتهاده، إذ لو أبيح لهم ذلك لزادوا فيه، فلا يفرق بين الأصل المشترع والدخيل المبتدع، ويصبح المسلمون كالنصارى ويصدق عليهم قوله:

«أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ» .

(٢) ما لا يسمى بالشعائر كأحكام المعاملات من بيع وإجارة وهبة ونحوها، وهذه قد شرعت لمصالح البشر، ولها علل وأسباب يسهل على الإنسان فهمها.

(فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) أي فمن أدى فريضة الحج أو اعتمر فلا يتخوفنّ من الطواف بهما، من أجل أن المشركين كانوا يطوفون بهما، فإن هؤلاء يطوفون بهما كفرا، وأنتم تطوفون بهما إيمانا وتصديقا لرسولى وطاعة لأمرى.

والسرّ في التعبير بنفي الجناح الذي يصدق بالمباح، مع أن السعى بينهما إما فرض كما هو رأى مالك والشافعي أو واجب كما هو رأى أبي حنيفة، الإشارة إلى بيان خطأ المشركين الذين كانوا ينكرون كون الصفا والمروة من الشعائر، وأن السعى بينهما من مناسك إبراهيم، وذلك لا ينافي الطلب الجازم.

<<  <  ج: ص:  >  >>