للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أجاب الله عن اقتراحهم فقال:

(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ) أي ما ننزل الملائكة إلا بالحكمة والفائدة، وليس فى نزول الملائكة من السماء وأنتم تشاهدونهم- فائدة لكم، لأنكم إذا رأيتموهم قلتم إنهم بشر لأنكم لا تطيقون رؤيتهم إلا وهم على الصورة البشرية، إذ هم من عالم غير عالمكم، وإذا قالوا نحن ملائكة كذبتموهم، لأنهم على صورتكم فيحصل اللبس ولا تنتفعون بهم وإلى هذا أشار فى سورة الأنعام بقوله: وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ» .

(وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) أي إن فى نزول الملائكة ضررا لهم لا محالة، لأنا مهلكهم ولا نؤخرهم، إذ قد جرت عادتنا فى الأمم قبلهم أنهم إذا اقترحوا آية وأنزلناها عليهم ولم يؤمنوا بها- يكون العذاب فى إثرها، فلو أنا أنزلناهم ولم يؤمنوا بهم لحق عليهم عذاب الاستئصال ولم ينظروا ساعة من نهار.

والخلاصة- إنه ليس فى إنزال الملائكة إليهم فائدة لهم بل فيه اللبس عليهم، إلى ما فيه من الضرر المحقق لهم وهو الهلاك، وحينئذ يفوت ما قضينا به من تأخيرهم وإخراج من أردنا إيمانه من أصلابهم.

ثم أجاب سبحانه عن قولهم الأول، وردّ إنكارهم تنزيل الذكر واستهزاءهم برسول الله صلى الله عليه وسلّم وسلّاه على ذلك بقوله:

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) أي إنما أنتم قوم ضالون مستهزئون بنبينا، وليس استهزاؤكم بضائره، لأنا نحن نزلنا القرآن ونحن حافظوه، فقولوا إنه مجنون، ونحن نقول: إنا نحفظ الكتاب الذي أنزلناه عليه من الزيادة والنقص، والتغيير والتبديل، والتحريف والمعارضة، والإفساد والإبطال.

وسيأتى فى مستأنف الأزمان من يتولون حفظه والذب عنه، ويدعون الناس إليه، ويستخرجون لهم ما فيه من عبر وحكم، وآداب وعلوم، تناسب ما تستخرجه

<<  <  ج: ص:  >  >>