للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللمشرك أنداد متعددون، وأرباب متفرقون، فإذا حزبه أمر، أو نزل به ضرّ لجأ إلى بشر أو صخر، أو توسل بحيوان أو قبر؟ أو استشفع بزيد أو عمرو، لا يدرى أيهم يسمع ويسمع، ويشفع فيشفّع، فهو دائما مبلبل البال، لا يستقر من القلق على حال.

وقد عظمت فتنة متخذى الأنداد بهم، حتى كان حبهم إياهم من نوع حبهم لله، إذ أنهم لا يرجون منه شيئا إلا وقد جعلوا لأندادهم مثله، فهم يلتجئون إليهم عند الحاجة كما يلتجئون إلى الخالق سبحانه.

وليس من اتخاذ الأنداد طلب المسببات من أسبابها، وقد تخفى علينا أحيانا ويعمى علينا طريق معرفتها، فعلينا بإرشاد الدين والفطرة أن نلجأ إلى الله، لعله برحمته يلهمنا إلى طريقها، مع بذل الجهد والطاقة في العمل بما نستطيع من الأسباب، حتى لا يبقى فى الإمكان شيء بعد ذلك.

فالدين يحظر علينا أن ننفر إلى الحرب والدفاع عن الأوطان ونحن عزل أو حاملو سلاح دون سلاح العدو المعتدى اتكالا على الله واعتمادا على أن النصر بيده، بل يأمرنا بإعداد العدة، ثم الاتكال بعد ذلك في الهجوم والإقدام على عناية الله، فمن قصر في اتخاذ الأسباب اعتمادا على الله فهو جاهل بالله، كما أن من التجأ إلى ما ليس بسبب كإنسان مكرّم أو ملك مقرّب، أو ما دون ذلك كصنم أو تمثال فهو مشرك بالله ولا يرغب عن الأسباب إلى التعلق بالأنداد والشفعاء إلا من كان قليل الثقة بالسبب، أو طالبا ما هو أعجل منه، كالمريض يعالجه الأطباء فيتراءى لأحد أقار به أن يلجأ إلى من يعتقد تأثيرهم في السلطة الغيبية طلبا للتعجيل بالشفاء.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) من كل ما سواه إذ حبهم له خاص به لا يشركون فيه غيره، إذ هم يعتقدون أن ملكوت السموات والأرض بيده، وهو الذي له القدرة والسلطان على جميع الأكوان، فما ينالهم من خير كسبى فهو بهدايته وتوفيقه،

<<  <  ج: ص:  >  >>