للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي فهل على الرسل الذين أمروا بتبليغ رسالات ربهم من أمره ونهيه إلا إبلاغ الرسالة وإيضاح طريق الحق وإظهار أحكام الوحى التي منها أن مشيئته تعالى تتعلق بهداية من وجّه همته إلى تحصيل الحق كما قال «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» وليس من وظيفتهم إلجاء الناس إلى الإيمان شاءوا أو أبوا، فإن ذلك ليس من شأنهم، ولا من الحكمة التي عليها مدار التكليف حتى يستدل بعدم ظهور آثارها على عدم حقية الرسل أو على عدم تعلق مشيئة الله بذلك وقصارى هذا- إن الثواب والعقاب لا بد فيهما من أمرين: تعلق مشيئته تعالى بوقوع أحدهما، وتوجيه همة العبد إلى تحصيل أسبابه وصرف اختياره إلى الدأب على إيجاده، وإلا كان كل من الثواب والعقاب اضطراريا لا اختياريا، والرسل ليس من شأنهم إلا تبليغ الأوامر والنواهي، أما العمل بها إلجاء وقسرا فليس من وظيفتهم لا فى كثير ولا قليل.

ثم بين سبحانه أن بعثة الرسل أمر جرت به السنة الإلهية فى الأمم كلها وجعلت سببا لهدى من أراد الله هدايته، وزيادة ضلال من أراد ضلاله كالغذاء الصالح ينفع المزاج السرىّ ويقويّه، ويضر المزاج المنحرف ويفنيه فقال:

(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) أي ولقد أرسلنا فى كل أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم رسولا، فقال لهم: اعبدوا الله وحده لا شريك له، واحذروا أن يغويكم الشيطان ويصدكم عن سبيل الله فتضلوا.

ونحو الآية قوله: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» وقوله: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ؟» .

وإجمال القول- إن المشيئة الشرعية للكفر منتفية، لأنه تعالى نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، والمشيئة الكونية وهى تمكين عباده من الكفر وتقديره لهم

<<  <  ج: ص:  >  >>