للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيضاح]

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) كان المشركون وأهل الكتاب قبل مجىء الإسلام فرقا وأصنافا، فمنهم من حرم على نفسه أشياء معينة كالبحيرة والسائبة عند العرب، وبعض الحيوان عند غيرهم، وكان الشائع لدى النصارى أن أقرب القربات تعذيب النفس وحرمانها من جميع اللذات، واحتقار الجسد وما يلزمه، وأن الله لا يرضى إلا بإحياء الروح، وافتنّوا في الحرمان من الطيبات، فمنها ما خصصوه بالقديسين أو الرهبان والقسيسين، ومنها ما هو عام كالحرمان من اللحم والسمن في بعض أنواع الصوم كصوم العذراء والقديسين، والحرمان من السمك واللبن والبيض في بعض آخر منها.

وكل هذه الأحكام وضعها الرؤساء، ولا وجود لها في التوراة، ولا نقلت عن المسيح عليه السلام، ولكن نقلوها عن الوثنيين الذين كانوا يحرمون كثيرا من الطيبات، اعتقادا منهم أن التقرب إلى الله لا يكون إلا بتعذيب النفس وترك حظوظ الجسد.

وقد جعل الله هذه الأمة وسطا تعطى الجسد حقه والروح حقه، فأحل لنا الطيبات وأمرنا بالشكر عليها، ولم يجعلنا جثمانيين خلّصا كالأنعام، ولا روحانيين خلصا كالملائكة بل جعلنا أناسىّ كملة.

وقصارى ذلك- إن الله أباح لنا أن نتمتع بما طاب كسبه من الحلال ولا نمتنع عنه تدينا ولا تعذيبا للنفس ولا نحرم بعضا ونحل بعضا تقليدا للرؤساء ووساوس الشياطين.

وأمرنا بشكره على خلقها لنا وتيسر أسباب الحصول عليها، ونهانا أن نجعل له ندّا نطلب منه الرزق، أو نرجع إليه في التحليل والتحريم، وإلا كنا مشركين به، كافرين لنعمه، كما فعل من اتخذ وسطاء بينه وبين ربه، يطلب منهم الرزق، ويشرعون لهم من الدين ما لم يشرعه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>