للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معه من عظائم الأمور التي تؤدى إلى هلاكهم، وإنما علم ذلك لدى علام الغيوب، فهو الذي يدرى ما أراد بالتقاطهم إياه من الحكم البالغة، والحجج القاطعة.

وبعد أن أخبر سبحانه عن حال من لقيه موسى عليه السلام خبّر عن حال من فارقه بقوله:

(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي إنها حين سمعت بوقوعه فى يد فرعون طار عقلها شعاعا لما دهمها من الجزع والحزن وتوقع الهلاك الذي لا مندوحة منه جريا على عادته مع أنداده ولداته، ولولا أن عصمناها وثبتنا قلبها لأعلنت أمرها، وأظهرت أنه ابنها وقالت من شدة الوجد «وا ولداه» وقد فعلنا ذلك لتكون من المصدّقين بوعدنا: «إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» .

ثم أخبر عن فعلها فى تعرف خبره بعد أن أخبر عن كتمها إياه بقوله:

(وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي وقالت لابنتها وكانت كبيرة تعى ما يقال لها: تتبّعى أثره، وتسمّعى خبره، فأبصرته عن بعد، وهم لا يشعرون أنها تقصه، وتتعرف حاله، وأنها أخته.

ثم شرع سبحانه يذكر أسباب رده إليها فقال:

(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) أي ومنعنا موسى المراضع من أول أمره، فقالت أخته حين رأت اهتمامهم برضاعه: أتحبون أن أرشدكم إلى أهل بيت يأخذونه ويتولون تربيته ويقومون بجميع شئونه ولا يقصّرون فى خدمته والعناية بأمره؟

روى عن ابن عباس أنها لما قالت ذلك أخذوها وشكّوا فى أمرها وقالوا لها:

ما يدريك بنصحهم له وشفقتهم عليه؟ فقالت هم يفعلون ذلك رغبة منهم فى سرور الملك ورجاء عطائه، وبذا خلصت من أذاهم، وذهبوا معها إلى منزلهم ودخلوا به على أمه فأعطته ثديها فالتقمه، ففرحوا بذلك فرحا شديدا وذهب البشير إلى امرأة الملك

<<  <  ج: ص:  >  >>