للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كانت مفارقة الأوطان عزيزة على النفس كريهة لديها، بين لهم أن المكروه واقع لا محالة إن لم يكن بالهجرة فهو حاصل بالموت، فأولى بكم أن يكون ذلك فى سبيل الله لتنالوا جزاءه ومرجعكم إلى ربكم، وحينئذ تنالون من النعيم المقيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فهنالك الغرف التي تجرى من تحتها الأنهار، ونعم هذا الأجر جزاء للعاملين الصابرين المتوكلين على ربهم، الذين يعلمون أن الله قد تكفل بأرزاقهم، كما تكفل بأرزاق جميع مخلوقاته، وهو السميع لدعائهم، العليم بحاجتهم.

روى أن الآية نزلت فى قوم تخلفوا عن الهجرة، وقالوا: نخشى إن نحن هاجرنا عن الجوع وضيق المعيشة.

[الإيضاح]

(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)

أي يا عبادى الذين وحّدونى وآمنوا بي وبرسولى محمد صلى الله عليه وسلم، إنّ أرضى لم تضق عليكم فتقيموا منها بموضع لا يحل لكم المقام فيه، فإذا انتشرت فى موضع ما معاصى الله، ولم تقدروا على تغييرها، فاهربوا منه إلى موضع آخر تتمكنون من القيام فيه بشعائر دينكم.

روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيرا فأقم»

ومن ثم لما ضاق على المستضعفين مقامهم بمكة خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك، فوجدوا خير المنزلين لدى أصحمة النجاشي ملك الحبشة، فآواهم وأيدهم بنصره، وأنزلهم ضيوفا مكرمين ببلاده، ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الباقون إلى المدينة.

والخلاصة: إن الله أمر المؤمنين بالهجرة إن لم يتسنّ لهم إقامة شعائر دينهم، إلى أرض يستطيعون ذلك فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>