للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهم حين سمعوا في أنها في النار قالوا: كيف يكون ذلك والنار تحرق الشجر؟ مع أن هذا ليس بالعجيب ولا بالمستحيل، فإن من قدر على خلق حيوان يعيش في النار وينعم فيها، فهو أقدر على خلق الشجر فيها وحفظه من الاحتراق.

ثم وصف هذه الشجرة فقال:

(إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) أي إنها شجرة تنبت في قعر النار، وأغصانها ترتفع إلى أركانها.

(طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) أي إن ثمرها في قبح منظره، وكراهة رؤيته، كأنه رءوس الشياطين والعرب تتخيل رأس الشيطان صورة بشعة لا تعدلها صورة أخرى، فيقولون لمن يسمونه بالقبح المتناهي: كأن وجهه وجه شيطان، وكأن رأسه رأس شيطان، ألا ترى إلى امرئ القيس وقد سلك هذا السبيل، ونهج هذا النهج فقال:

أيقتلني والمشرفىّ مضاجعى ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وعلى العكس من هذا تراهم يشبهون الصورة الحسنة بالملك، من قبل أنهم اعتقدوا فيه أنه خير محض لا شر فيه، فارتسم في خيالهم بأبهى صورة، وعلى هذا جاء قوله تعالى حكاية عن صواحبات يوسف «ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ» .

ثم بين أن مآكل أهل النار من هذه الشجرة فقال:

(فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) أي فإنهم ليأكلون من ثمرها فيملئون بطونهم منه، وإن كانوا يعرفون مرارة طعمه ونهاية نتنه وبشاعة رائحته، ولكن ماذا يعملون وقد غلب عليهم الجوع؟ والمضطر يركب الصعب والذلول، ويستروح من الضرّ بما يقار به فيه.

وبعد أن وصف طعامهم وبين شناعته، أردفه ذكر شرابهم ووصفه بما هو أبشع وأشنع فقال:

(ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) أي ثم إنهم بعد أن يشبعوا ويغلبهم العطش

<<  <  ج: ص:  >  >>