للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى الجبناء أن الجبن حزم ... وتلك خديعة الطبع اللئيم

والكتاب الكريم لم يبين لنا عدد هؤلاء القوم ولا أمتهم، ولا بلدهم، ولو علم أن فى ذلك خيرا لنا لتفضل علينا ببيانه في محكم كتابه فنكتفى بما فيه، ولا ندخل في تفاصيل ذكرت في الإسرائيليات، هى إلى الأوهام والخرافات أقرب منها إلى الحقائق التي تصلح للعبرة، وتكون وسيلة إلى الموعظة.

ويرى جمع من المفسرين منهم ابن كثير بسنده عن ابن جرير وعطاء- أن هذا مثل لا قصة واقعة، ضرب للعظة والتأمل فيما ينطوى عليه، ليكون أفعل في النفس وأدعى إلى الزجر.

(فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) أي خرجوا هاربين فأماتهم الله، بأن مكن منهم العدوّ ففتك بهم، وقتل أكثرهم وفرّق شملهم، وأصبح من بقي منهم خاضعا للغالب، منضويا تحت لوائه، يصرّف بحسب إرادته ولا وجود له في نفسه، ثم أحياهم بعود الاستقلال إليهم، بعد أن جمعوا كلمتهم، ووثقوا رابطتهم، واعتزوا وكثروا، وخرجوا من ذلّ العبودية إلى رياض الحرية، وكان ما أصابهم من البلاء تأديبا لهم ومطهرا لنفوسهم مما عرض لهم من ذميم الأخلاق ورذيل السجايا.

وقد جرت سنة الله في خلقه أن تموت الأمم باحتمالها الظلم، وقبولها الجور والعسف، حتى إذا أفاقت من سباتها وتنبهت من غفلتها، قام بعض أفرادها بتدارك مافات، والاستعداد لما يرقى شأنها، وتبذل في ذلك كل مرتخص وغال، وتتلمس كل الوسائل التي تحقق لها ما تصبو إليه، ولا يصدها عن ذلك ما يحول دونها من العوائق حتى تفوز ببغيتها وتنال أمنيتها، ومن ثم أثر

عن علىّ كرم الله وجهه أنه قال: بقية السيف هى الباقية،

أي هى التي يحيا بها أولئك الميتون.

وعلى هذا فالموت والحياة واقعان على القوم في مجموعهم على ما عهد في أسلوب القرآن، إذ خاطب بنى إسرائيل في زمن التنزيل بما كان من آبائهم الأولين بمثل قوله:

«وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ» وقوله: «ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ»

<<  <  ج: ص:  >  >>